للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام الحكم]

قوله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:٢٦] , يشمل الحكم الكوني القدري, والحكم الشرعي الديني فإنه الحاكم في خلقه قضاء وقدراً وخلقاً وتدبيراً.

والحكم الكوني القدري هو: ما يجري على الإنسان من التقديرات من المصائب والمسرات وغيرهما، فلا أحد يشاركه فيها ولا أحد يمنعه فمثلاً: إذا حكم الله على أحد بالموت فلا أحد يمنعه، وكذلك إذا أعطى الله أحداً نعمة فلا أحد يستطيع منعها عنه وإذا أراد الله بأحد ضراً فلا أحد يستطيع دفعه، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٢].

وحكمه الشرعي هو: شريعته التي أنزلها ليحكم بها بين عبادة في الدنيا، وحكمه الجزائي يكون يوم القيامة فيجازي العباد بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

فليس له شريك لا في حكمه الكوني القدري, ولا في حكمه الشرعي, ولا في حكمه الجزائي يوم القيامة.

إذاً: فحكم الله ثلاثة أنواع: حكم كوني، وهو الذي يقدره الله على العباد من سقم ومرض وغنى وصحة وموت وحياة، وهذه الأحكام الكونية القدرية لا أحد يستطيع أن يمنعها، أو أن يشارك الله فيها.

والثاني: الحكم الشرعي، وهو شريعة الله التي أنزلها ليُحكم بها بين عباده، وهي كتاب الله وسنة رسوله.

وحكم الله الشرعي لا يشاركه أحد فيه.

والثالث: الحكم الجزائي، ويكون يوم القيامة، عندما يجازي الله عباده، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ولا أحد يشاركه في ذلك سبحانه وتعالى.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: (في قول الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف:٢٣]، وقد جمعت هذه الآية كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم من ثلاث جهات: الأولى: أنه أجاب على سؤاله، فبين لهم ما سألوه إياه على خلاف عادته في مكابريه.

والثانية: أنه علمه علماً عظيماً من أدب النبوة.

والثالثة: أنه ما علمه ذلك إلا بعد أن أجاب على سؤاله، استئلافاً لنفسه أن لا يبادره بالنهي عن ذلك قبل أن يجيبه؛ كي لا يتوهم أن النهي يقتضي الإعراض عن إجابة سؤاله، وكذلك شأن تأديب الحبيب المكرم ومثلهما في الصحيح: أن حكيم بن حزام قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم! إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى)، إلى آخر الحديث.

وأما في قول الله عز وجل: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ} [الكهف:٢٦]، إلى آخر الآية.

قوله: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:٢٦]، قال: هو رد على زعمهم بأن الله اتخذ آلهتهم شركاء له في ملكه).

والمعروف عن كفار قريش أنهم لم يزعموا أن آلهتهم شريكة لله في الملك وإنما كانوا يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله, وأنها تقربهم إلى الله زلفى، ولم يعتقدوا أنها تشارك الله في ملكه كما أخبر الله عنهم بقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، يعني: قائلين.

وقال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨].

وفي هذه الآية: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:٢٦]، دليل على: أن الله تعالى ليس له شريك في حكمه، لا في حكمه الكوني القدري, ولا في حكمه الشرعي, ولا في حكمه الجزائي.