للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الخلاف في علم النبي صلى الله عليه وسلم بأعيان بعض المنافقين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [تنبيه: قول من قال: كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقاً في غزوة تبوك، الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك، عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها، فأوحى الله إليه أمرهم، فأطلع على ذلك حذيفة، ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أو لغيرها، والله أعلم].

أي: اتفقوا ودبروا خطة في ظلام الليل على أن يجلبوا على الناقة ليسقط النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما غير هؤلاء فقد قال الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:١٠١] الآية.

وقال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب:٦٠ - ٦١]، ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم، وإنما كان تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم، ولم يدرك على أعيانهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠].

وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول].

عبد الله بن أبي بن سلول هو رئيس المنافقين، وهو الذي تولى كبره في حادثة الإفك، كما قال تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:١١] نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين، ومع هذا لما مات صلى عليه صلى الله عليه وسلم، وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين، وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال: (إني أكره أن تتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه)، وفي رواية في الصحيح: (إني خيرت فاخترت)، وفي رواية: (لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت)].

ما ذكره في شأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثابت في صحيح البخاري، وذلك أن عبد الله بن أبي لما مات ودلي في حفرته جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرجه من حفرته ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه وصلى عليه.

وحين أراد أن يصلي عليه جاء عمر وأخذ بثوبه فقال: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟! وكان رئيس المنافقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة:٨٠] وسأزيدها على سبعين)، وكان هذا قبل أن تنزل الآية: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة:٨٤].

وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا تأليفاً للأوس، ومراعاة لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان من خيار المؤمنين.

وإنما ألبسه قميصه مكافأة له على إعطائه العباس قميصه؛ لأن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم كان طويلاً، فلما أسر يوم بدر لم يجد له صلى الله عليه وسلم قميصاً يناسبه إلا قميص عبد الله بن أبي فأعطاه قميصه، فكافأه النبي صلى الله عليه وسلم بإلباسه قميصه، ونفث فيه من ريقه لعل الله أن ينفعه بذلك، وصلى عليه وهو لم ينه عليه الصلاة والسلام بعد، ثم نزلت الآية بعد ذلك: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:٨٤] فلم يصل على منافق بعد ذلك عليه الصلاة والسلام.