[الرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا].
الرحمن والرحيم: اسمان لله عز وجل، وهما مشتقان، ومشتملان على صفة الرحمة، والرحمن خاص بالله لا يطلق إلا عليه، ولهذا لما تسمى مسيلمة بالرحمن لصق به اسم الكذب، فلا يذكر اسم مسيلمة إلا ويقال: مسيلمة الكذاب.
وأما اسم الرحيم فليس خاصاً، بل هو من الأسماء المشتركة، قال الله تعالى عن نبيه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
وأما اسم الحكم فقد جاء في قصة أبي شريح أنه كان يسمى أبا الحكم: (فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن قومي إذا اختصموا في شيء حكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ قال: شريح ومسلم وعبد الله، قال: فمن أكبرهم؟ قال: شريح قال: فأنت أبو شريح)، فغير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته، فيظهر من ذلك أنه لا يجوز أن يطلق اسم الحكم على غير الله، ويحتمل أن هذا من باب كمال التوحيد؛ ولهذا ثبت أن بعض الصحابة كان يسمى بالحكم ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال بعض العلماء: إذا نظر إلى الصفة في هذا الاسم يُغيَّر، وإذا لم ينظر إلى الصفة لا يُغيَّر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن رحمان الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة.
وزعم بعضهم أنه غير مشتق؛ إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم، وقد قال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣].
وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن اسم عبراني ليس بعربي، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن].
هذا قول مرجوح، بل الصواب أنه عربي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرحيم عربي والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما.
قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوب عنه].
أي: أن هذا ليس بشيء؛ لضعفه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته) قال: وهذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق].