[ذكر خلاف المفسرين فيمن أريد بقوله تعالى: (والذين يؤمنون بما أنزل إليك)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هنا: هل هم الموصوفون بما تقدم من قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:٣]، ومن هم؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير.
أحدها: أن الموصوفين أولاً هم الموصوفون ثانياً، وهم كل مؤمن مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب وغيرهم، قاله مجاهد وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة.
والثاني: هما واحد، وهم مؤمنو أهل الكتاب، وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفات على صفات، كما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى:١ - ٥].
وكما قال الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم فعطف الصفات بعضها على بعض والموصوف واحد].
وهو الملك القرم ابن الهمام وليث الكتبية، فلو حذفت الواو لبقي المقصود واحداً، فكلها صفات له.
وقوله: [فعطف الصفات بعضها على بعض، والموصوف واحد].
يعني: قالوا: إن قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة:٣ - ٤] يراد به موصوف واحد، وهم أهل الكتاب.
والقول الأول: أن المراد به العموم، أي: المؤمنون من العرب ومن أهل الكتاب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والثالث: أن الموصوفين أولاً مؤمنو العرب، والموصوفين ثانياً بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:٤]، لمؤمني أهل الكتاب، نقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة رضي الله عنهم، واختاره ابن جرير رحمه الله، ويُستشهَد لما قال بقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران:١٩٩]].
أي أن ابن جرير اختار أن المراد بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة:٤] هم أهل الكتاب، واستشهد المؤلف لهذا القول بآية آل عمران.
فهنا ثلاثة أقوال: الأول: أن الموصوفين أولاً المؤمنون من العرب، والموصوفين ثانياً المؤمنون من أهل الكتاب.
والقول الثاني: أن الموصوفين أولاً وثانياً هم أهل الكتاب.
والقول الثالث: أن الموصوفين أولاً وثانياً المؤمنون من العرب ومن أهل الكتاب، والصواب -كما سيأتي- أنه عام، فالموصوفون أولاً وثانياً هم المؤمنون من العرب ومن أهل الكتاب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستشهد لما قال بقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آل عمران:١٩٩] الآية.
وبقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [القصص:٥٢ - ٥٤].
وبما ثبت في الصحيحين من حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها).
وأما ابن جرير فما استشهد على صحة ما قال إلا بمناسبة، وهي أن الله وصف في أول هذه السورة المؤمنين والكافرين، فكما أنه صنف الكافرين إلى صنفين: كافر ومنافق، فكذلك المؤمنون صنفهم إلى صنفين: عربي وكتابي].
هذا اختاره ابن جرير رحمه الله، والصواب القول الأول، وهو أن الموصوفين أولاً وثانياً هم المؤمنون من العرب ومن أهل الكتاب.