للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به)]

قال الله تعالى: [قال الله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه:٩٠ - ٩١].

قال المؤلف رحمه الله: [يخبر تعالى عما كان من نهي هارون عليه السلام لهم عن عبادتهم العجل، وإخباره إياهم إنما هذا فتنة لكم.

((وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ)) الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:١٥] الفعال لما يريد، ((فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)) أي: فيما آمركم به، واتركوا ما أنهاكم عنه، ((قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) أي: لا نترك عبادته حتى نسمع كلام موسى فيه، وخالفوا هارون عليه السلام في ذلك، وحاربوه وكادوا أن يقتلوه].

فلما صنع لهم السامري عجلاً جسداً له خوار شبه عليهم وفتنوا به وأحبوا العجل وعبدوه من دون الله، وقد نصحهم هارون ونهاهم، قال لهم: ((وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي))، وشدد عليهم حتى كادوا يقتلوه.

((قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) فلن نسمع كلامك، وإذا جاء موسى ننظر ماذا يقول، وقد ذهب موسى عليه السلام لميقات ربه، وكلمه الله بخبر قومه عند جبل الطور {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:٨٥]، فلما جاء ووجدهم يعبدون العجل اشتد غضبه عليهم، حتى إنه ألقى الألواح التي معه فتكسرت، وكان فيها كلام الله، لكن الغاضب معذور، وأخذ برأس أخيه هارون وهو نبي مثله، وجعل يجره ويقول: كيف تركتهم يعبدون العجل؟ قال له هارون: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:٩٤]، وقال له: يبنؤم، من باب الاسترقاق، وإلا فهو أخوه لأبيه وأمه، {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه:٩٤]، وقال: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:١٥٠].

فلما ذهب الغضب عن موسى {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف:١٥١].