[دلائل موت الخضر عليه السلام]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام, قالوا: وكان يكنى أبا العباس ويلقب بـ الخضر، وكان من أبناء الملوك، ذكره النووي في تهذيب الأسماء، وحكى هو وغيره في كونه باقياً إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكايات وآثار عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها أحاديث التعزية، وإسناده ضعيف].
يعني: أن العلماء لهم في بقائه قولان: قول بأنه موجود وأنه باق إلى يوم القيامة، وقال آخرون: إنه مات، وهذا هو الصواب؛ لأنه لو كان باقياً لجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به، والله تعالى أخذ الميثاق على كل نبي: لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه، وعيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون فرداً من أفراد الأمة المحمدية، ويحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يكون الخضر -وهو نبي أو عبد صالح- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يأتي ليؤمن به ويبايعه، ثم إنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته خطب الناس بعد العشاء وقال: (إنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد)، والمعنى: أن مائة سنة تخرم ذلك القرن، والحديث رواه البخاري في صحيحه.
يعني: بعد مائة سنة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم يموت من هو موجود على الأرض ويأتي جيل جديد، فلو كان الخضر موجوداً على قيد الحياة لشمله هذا الحديث ومات.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله له في مجموع الفتاوى قولان: قول: أنه مات، وهذا هو الصواب، والقول الثاني أنه باق، وأجاب عن هذا بأنه ليس على وجه الأرض، وإنما هو في البحر، ولعله رجع عن هذا القول، ولكنه نقل القولين، وكأن الذي نقله عنه لا يعرف المتقدم من المتأخر، والصواب أنه مات، وليس على قيد الحياة، وبعض الناس يرى أن الخضر وإلياس من المعمرين، وأنهما باقيان إلى يوم القيامة، والصواب أنهما ليسا باقيين، ولو كانا موجودين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لجاءا وآمنا به.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:٣٤]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حياً لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، وقد قال: (لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي).
وأخبر قبل موته بقليل: (أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف)، إلى غير ذلك من الدلائل].
أي: لو كان موجوداً لكان من تلك العصابة؛ لأنه يعبد الله في الأرض، ولأنه نبي أو عبد صالح، فقوله: (إن تهلك هذه العصابة) معناه: ليس في الأرض أحد في ذلك الوقت مؤمن إلا غيرهم.
وقوله: [(لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي)] لعل هذا مما أخطأ فيه الكاتب، أو زاده زنديق على التفسير، فإن هذا القول يرده ما تواتر من النصوص على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
فالصحيح: (ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) منافاة، فموسى لا شك في أنه توفى، وعيسى مرفوع؛ ولو كان موسى حياً لاتبعه، ولو كان عيسى موجوداً على وجه الأرض لاتبعه؛ لكنه مرفوع، وقد أخبر في الأحاديث الصحيحة بأنه ينزل في آخر الزمان ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكره ابن أبي العز في شرح الطحاوية في السياق، وعلق عليه الشيخ ناصر الألباني رحمه الله في تخريج الطحاوية بقوله: (كذا الأصل)، وكأنه يشير إلى الحديث الذي ذكره شيخه ابن كثير في تفسير سورة الكهف بلفظ: (لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي)، وهو حديث محفوظ دون ذكر عيسى فيه، فإنه منكر عندي، لم أره في شيء من طرقه، وهي مخرجة في إرواء الغليل برقم ألف وخمسمائة وتسعة وثمانين.
والصحيح أن ذكر عيسى وهم، أو خطأ مطبعي، وقوله: (كانا حيين)، الصحيح: حي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك عن معمر، عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخضر قال: (إنما سمي خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تحته تهتز خضراء) ورواه -أيضاً- عن عبد الرزاق، وقد ثبت -أيضاً- في صحيح البخاري عن همام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء).
والمراد بالفروة هاهنا: الحشيش اليابس.