[انقسام الناس تجاه الأمثال التي ضربها الله في القرآن]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣] وفي القرآن أمثال كثيرة.
قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛ لأن الله قال: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣].
وقال مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:٢٦] الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم الله بها.
وقال قتادة: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:٢٦] أي: يعلمون أنه كلام الرحمن، وأنه من عند الله.
وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك.
وقال أبو العالية: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:٢٦] يعني: هذا المثل: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة:٢٦] كما قال في سورة المدثر: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١]].
وهذا السؤال فيه اعتراض على الله سبحانه.
نسأل الله العافية.
فلما قالوا: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة:٢٦]، أنكر الله عليهم، فالواجب على المسلم الإيمان والتسليم، وأن يقول: سمعنا وأطعنا وليس له أن يعترض.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك قال هاهنا: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] قال السدي في تفسيره: عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} [البقرة:٢٦].
يعني به: المنافقين، {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة:٢٦]، يعني به: المؤمنين، فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم؛ لتكذيبهم بما قد علموه حقاً يقيناً من المثل الذي ضربه الله بما ضرب لهم، وأنه لما ضرب له موافق فذلك إضلال الله إياهم به.
{وَيَهْدِي بِهِ} [البقرة:٢٦] يعني: بالمثل، كثيرًا من أهل الإيمان والتصديق، فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانًا إلى إيمانهم، لتصديقهم بما قد علموه حقاً يقيناً أنه موافق لما ضربه الله له مثلاً وإقرارهم به، وذلك هداية من الله لهم به: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] قال: هم المنافقون.
وقال أبو العالية: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] قال: هم أهل النفاق.
وكذا قال الربيع بن أنس.
وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] قال: يقول: يعرفه الكافرون فيكفرون به.
وقال قتادة: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] فسقوا، فأضلهم الله على فسقهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} [البقرة:٢٦] يعني: الخوارج.
وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي فقلت: قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة:٢٧] إلى آخر الآية، فقال: هم الحرورية.
وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى، لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان، فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية، وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل؛ لأنهم سموا بالخوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام].
هذه الآية الكريمة: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] عامة لكل من انطبق عليه هذا الوصف، والفاسق يشمل الكافر والعاصي، والفاسق: من الفسق وهو الخروج عن طاعة الله عز وجل.