للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعريف بالمنافقين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات، ثم عرف حال الكافرين بهاتين الآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر].

فذكر المؤمنين في أربع آيات، والكفار ظاهراً وباطناً في آيتين، وأما المنافقون -وهم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر- فذكرهم في ثلاث عشرة آية؛ لشدة خطرهم على الإسلام والمسلمين ولخفائهم.

فهم يظهرون الإسلام، ولكن يبطنون الكفر، وهم يعيشون بين المسلمين، فهم عدو لدود، وأشد من الكافرين ظاهراً وباطناً، ولهذا صار عذابهم أشد، فهم في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله، والمنافق: هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، مأخوذ من نفق اليربوع، واليربوع دويبة يتخذ جحراً له فتحتان: فتحة معروفة، وفتحة غير معروفة، فإذا رابه ريب دفع ذلك التراب برأسه فخرج من نفقه، فكذلك المنافق له ظاهر وباطن، فظاهره مع المؤمنين وباطنه مع الكفرة، وقد سمي منافقاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في العصور التي بعده، ثم سمي المنافق زنديقاً، ويطلق الزنديق -أيضاً- على المجاهر بالمعاصي، فصار في بعض القرون يسمى زنديقاً، وهي كلمة فارسية تطلق على المنافق وتطلق على المجاهر بالمعاصي، ويسمى المنافق والزنديق في هذا الزمان (العلماني)، والعلمانيون هم المنافقون، فالأسماء مختلفة، والمعنى واحد، فهم المنافقون الذين يبطنون الكفر، ويظهرون الإسلام، نعوذ بالله.

والله تعالى جلى أوصافهم وذكرها في كثير من الآيات وكثير من السور، في سورة البقرة، وفي سورة النساء، وفي سورة النور وفي سورة التوبة، ولم يزل الله يقول (ومنهم)، (ومنهم) حتى خاف المنافقون أن يسموا بأعيانهم في سورة محمد وفي سورة المنافقون وفي غيرهما من السور، نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كل منها نفاق].

فوصفهم بالخداع، وبالإفساد في الأرض، وبأنهم ينشرون الفساد في الناس ويسمون ذلك إصلاحاً، ويصفون المؤمنين بالسفه، ويسمون الإيمان سفهاً، وضرب الله لهم مثلاً مائياً ومثلاً نارياً، وستأتي أوصافهم إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما أنزل سورة براءة فيهم، وسورة المنافقين فيهم، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور تعريفاً لأحوالهم لتجتنب، ويجتنب من تلبس بها أيضًا].