تفسير قوله تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم:٦٠] أي: إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات، فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم، ولهذا قال: {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم:٦٠]؛ وذلك لأن التوبة تجب ما قبلها.
وفي الحديث الآخر: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)].
من فضل الله تعالى وإحسانه أن التوبة من جميع الذنوب والمعاصي تجب ما قبلها، إذا كانت توبة نصوحاً قبل بلوغ الروح الحلقوم وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، بأن تكون توبة بإخلاص وصدق وإقلاع عن الذنب وندم وعزم صادق، ورد المظلمة إلى أهلها إن كانت بينه وبين الناس قبل الله توبته.
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣] وقد أجمع العلماء على أنه هذه الآية في التائبين، وأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب.
بخلاف آية النساء قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فهذه الآية في غير التائبين؛ لأنه خصص وعلق، خص الشرك بأنه لا يغفره، وعلق ما دونه على المشيئة، وقد عرض الله التوبة على المثلثة الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣]، ثم قال: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة:٧٤]، وكذلك عرضها على المنافقين، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} [النساء:١٤٥ - ١٤٦].
فالتوبة مقبولة ممن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً إذا وجدت شروطها وكانت في وقت الإمكان، وأتبع التوبة بالإيمان والعمل الصالح، فإن الله يبدل سيئاته حسنات، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:٧٠] وهذا فضل من الله تعالى وإحسان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئاً، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها، فينقص لهم مما عملوه بعدها؛ لأن ذلك ذهب هدراً وترك نسياً وذهب مجاناً من كرم الكريم وحلم الحليم].
قوله: لأن ذلك ذهب هدراً يعني: أن السيئة محيت ولا يقابل بشيء من الأعمال ولا يسقط شيء من الحسنات.
قال: [لأن ذلك ذهب هدراً وترك نسياً وذهب مجاناً من كرم الكريم وحلم الحليم، وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان:٦٨] إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:٧٠].