[سبب تسميتها بأم الكتاب وأم القرآن ونحوهما]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال البخاري في أول كتاب التفسير: وسميت أم الكتاب؛ لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته.
قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع أماً].
يعني: أن العرب تسمي الشيء الذي له أصل وله توابع تسميه أمَّاً، وسميت الأم أماً لأن الطفل يرجع ويئول إليها، فكذلك الفاتحة تسمى أم القرآن؛ لأن معاني القرآن ترجع إليها، ومكة تسمى أم القرى؛ لأن القرى ترجع إليها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ أم الرأس، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أماً، واستشهد بقول ذي الرمة: على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرا يعني: الرمح.
قال: وسميت مكة أم القرى؛ لتقدمها أمام جميعها، وجمعها ما سواها، وقيل: لأن الأرض دحيت منها.
ويقال لها أيضاً: الفاتحة؛ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام، وصح تسميتها بالسبع المثاني، قالوا: لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا ابن أبي ذئب، وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أم القرآن: (هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم)، ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به.
وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني).
وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن غالب بن حارث حدثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي حدثنا المعافى بن عمران عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله رب العالمين سبع آيات، بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أم الكتاب وفاتحة الكتاب)، وقد رواه الدارقطني أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه أو مثله، وقال: كلهم ثقات].
وعلى هذا تكون البسملة أول آية في الفاتحة، لكن الصحيح أنها سبع آيات بدون البسملة كما سبق.
وعلى هذا من قال: إن البسملة ليست آية من الفاتحة تكون قراءتها عنده سنة وليست بواجبة، فمن تركها صحت الصلاة، وأما على القول بأنها آية من سورة الفاتحة فإنها تكون واجبة.
والمعروف عند العلماء أن الاستفتاح والتعوذ والبسملة من سنن الصلاة، والواجب هو قراءة الفاتحة فقط.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم فسروا قوله تعالى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر:٨٧] بالفاتحة، وأن البسملة هي الآية السابعة منها، وسيأتي تمام هذا عند البسملة، وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لـ ابن مسعود: لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة، قال أبو بكر بن أبي داود: يعني: حيث يقرأ في الصلاة، قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها.
وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء أنزل من القرآن، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة، ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة، وقيل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:١] كما في حديث جابر في الصحيح، وقيل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١]، وهذا هو الصحيح كما سيأتي تقريره في موضعه والله المستعان].
هذا هو الصواب كما ثبت في البخاري أن أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١]، ثم نزل بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:١ - ٢]، فبنزول (اقرأ) صار صلى الله عليه وسلم نبياً، وبنزول (المدثر) صار رسولاً عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال العلماء: نبئ باقرأ، وأرسل بالمدثر.