[تفسير قوله تعالى: (قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)]
قال الله تعالى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أي: لا تخافا منه فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه، لا يخفى علي من أمركم شيء، واعلما أن ناصيته بيدي فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي].
قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]، يعني: بنصره وتأييده، وهذه معية خاصة، وهو سبحانه بذاته فوق العرش، والعرش هو سقف المخلوقات وتنتهي المخلوقات إليه، والله فوق العرش بعد نهاية المخلوقات، وهو مع الناس والخلق جميعاً باطلاعه وإحاطته ونفوذ سمعه وبصره، ونفوذ قدرته ومشيئته، وهو مع أنبيائه ورسله ومع المؤمنين بنصره وعونه وتأييده.
{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]، يعني: أكلؤكما وأحفظكما وأعينكما، وهذه خاصة بموسى وهارون.
وجاءت المعية العامة في قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:١٥]، وهنا دخل في الخطاب فرعون معهم، يعني: أسمع كلامكم وأرى مكانكم، تنفذ فيكم قدرتي ومشيئتي، فالمعية العامة تأتي في سياق التخويف والجزاء والتهديد، والمعية الخاصة تأتي في سياق المدح والثناء.
والله تعالى في جميع الأزمان حي لا يموت.
أما القول أن الله في كل مكان فهذا باطل وهو كفر وضلال، وهذا قول الجهمية والاتحادية والملاحدة الحلولية الذين قالوا: إنه موجود في أجواف وبطون السباع والطيور -تعالى الله عما يقولون- وهذا كفر وضلال، فالله تعالى بذاته فوق العرش وعلمه في كل مكان وهو محيط بالخلق، تنفذ فيهم قدرته ومشيئته، ونواصيهم بيده، ولا يتحركون ولا يفعلون أي فعل إلا بقدرته ومشيئته وإرادته، وهو ليس موجوداً بذاته مع المخلوقين.
ومن قال إنه في كل مكان فهو كافر وهذا اعتقاد كفري، لكن الشخص لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، وليس له شبهة كما قال كثير من السلف، منهم أحمد والبخاري وغيرهما، فمن قال: إن الله في كل مكان فقد كفر، أما إذا كان له شبهة فيزال يبين له أن هذا كفر وضلال، فإن أصر بعد البيان فقد كفر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: لما بعث الله عز وجل موسى إلى فرعون قال: رب! أي شيء أقول؟ قال: قل هيا شراهيا].
وهذا باللغة العبرية؛ قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم:٤]، لكن أبو عبيدة ما سمع من عبد الله بن مسعود، فيكون منقطعاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال الأعمش: فسر ذلك: الحي قبل كل شيء والحي بعد كل شيء، إسناده جيد، وشيء غريب].
والجيد معناه المنقطع.
وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غير هذا، ويقال اسمه عامر وهو كوفي، ثقة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه.