[تفسير قوله تعالى: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف:٣٩]، هذا تحضيض وحث على ذلك، أي: هلا -إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها- حمدت الله على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؟! ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده فليقل: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة، وقد روي فيه حديث مرفوع أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا جراح بن مخلد حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عيسى بن عون، حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) فيرى فيه آفة دون الموت)، وكان يتأول هذه الآية {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
قال الحافظ أبو الفتح الأزدي: عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه، وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة وحجاج، حدثني شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا قوة إلا بالله)، تفرد به أحمد، وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله)].
هذه الآيات تفيد هذا، فإذا أعجبك شيء فقل: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، حتى وإن لم يصح الحديث، وفي الآيات دليل على أن من شك في القيامة فهو كافر، وفيها دليل على أنه يشرع للمرء إذا أعجبه شيء أن يقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) كما في الآية، فالمقصود أنه يشرع أن يقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله).
وكذلك تقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) حتى لا تصيب غيرك بالعين دون اختيارك، فلا شك في أن التبريك يمنع من العين، والعين تحصل من العائن من دون اختياره، فإذا قال العائن: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) امتنع من الإصابة بالعين، فإذا ذكر العائن الله كان هذا من أسباب منع وقوع العين؛ لأن بعض الناس قد تخرج بعين دون خياره.
فالتبريك يمنع حصول العين، فلكيلا تصيب أخاك تبرك وتقول إذا أعجبك شيء: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ولهذا نصح المؤمن الكافر وقال له: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد: حدثنا بكر بن عيسى، حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: قال أبو هريرة رضي لله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟ قال: قلت نعم فداك أبي وأمي، قال: أن تقول: لا قوة إلا بالله)].
أبو بلج -بفتح أوله وسكون اللام- بعدها جيم وهو الفزاري الكوفي ثم الواسطي الكبير، اسمه يحيى بن سليم، أو ابن أبي سليم أو ابن أبي الأسود صدوق ربما أخطأ من الخامسة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو بلج: وأحسب أنه قال: فإن الله يقول: أسلم عبدي واستسلم.
قال فقلت لـ عمرو: قال أبو بلج: قال عمرو: قلت لـ أبي هريرة: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقال: لا إنها في سورة الكهف {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
وقوله: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، أي: في الدار الآخرة {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا}، أي: على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ}، قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، ومالك عن الزهري أي: عذاباً من السماء.
والظاهر أنه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها وأشجارها، ولهذا قال: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}، أي: بلقعاً تراباً أملس لا يثبت فيه قدم.
وقال ابن عباس: كالجرز الذي لا ينبت شيئا.
وقوله: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائراً في الأرض، وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض، فالغائر يطلب أسفلها، كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:٣٠] أي: جارٍ وسائح، وقال هاهنا: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}، والغَوْر: مصدر بمعنى: غائر، وهو أبلغ منه].
الغَوْراً أبلغ من الغائر، فقوله تعالى: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}، يعني: غائراً نازلاً في الأرض.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما قال الشاعر: تظل جياده نَوحْاً عليه تقلده أعنتها صفوفاً بمعنى: نائحات عليه].
يعني أن (نَوْحاً) أبلغ من (نائح)، مثل: (غَوْر) أبلغ من (غائر) فقوله: (تظل جياده نوحاً عليه) يعني: نائحات، فعبر بالنوح وحده عن النائحات، كما عبر بـ (غور) عن غائر.