قال المؤلف رحمه الله: [يبين الله تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه؛ حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة، أنهم قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:١٨] فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادعوا لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة فقال:{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ}[البقرة:١١١]، وقال أبو العالية: أماني يمنوها على الله بغير حق، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس].
فالأماني إذا لم يكن عليها دليل تكون باطلة، كمن يتمنى شيئاً وهو لا يعمل له.
واليهود قالوا: لن يدخل الجنة إلا اليهود، والنصارى قالوا: لن يدخل الجنة إلا النصارى، وهذا تمنٍ؛ ولهذا قال الله لهم:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}[البقرة:١١١] أي: هاتوا الدليل، وفي الآية الأخرى أخبر الله عن اليهود بقوله:{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}[البقرة:٨٠] وهي الأيام التي عبدوا فيها العجل فأكذبهم الله، وفي الآية الأخرى ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه فأكذبهم الله، فهذه دعاوى، وكل دعوى لا دليل عليها ولا برهان فهي باطلة، فلا بد من الدليل، وإذا كنتم أبناء الله وأحباؤه فاعملوا ما يقربكم إلى الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال تعالى: (قل) أي: يا محمد! (هاتوا برهانكم) قال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس: حجتكم، وقال قتادة: بينتكم على ذلك، (إن كنتم صادقين) أي: فيما تدعونه].