للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما)]

قال الله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:٦٣].

قالالمؤلف رحمه الله تعالى: [هذه لغة لبعض العرب جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: (إن هذين لساحران)، وهذه اللغة المشهورة، وقد توسع النحاة في الجواب عن المسألة الأولى بما ليس هذا موضعه].

لأن إن تنصب الاسم وترفع الخبر، والمثنى ينصب بالياء، فاللغة المشهورة (إن هذين) (إنْ) مخففة من الثقيلة (إنَّ)، وأصله (إنَّ هذان) فتنصب الاسم وترفع الخبر، و (هذين) اسم إن منصوب وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، لساحران: ساحران خبر مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى، وهذه القراءة المشهورة: (إن هذين لساحران) وهذا على اللغة المشهورة، لكن جاءت في لغة أخرى غير مشهورة وهي رفع المثنى، (إن هذان لساحران) وهي قراءة حفص.

ولا يصح أن يقال: هي لحن؛ فالقرآن أفصح الكلام، وهذا لا يجوز، وإن قال هذا الكلام عالم متعمد فقد يكون مرتداً والعياذ بالله، وإن كان جاهلاً فهو جاهل جهلاً مركباً، وهذا طعن في كلام الله، فاللغة العربية تطوع حتى توافق القرآن، فهو كلام الله العليم الخبير الذي خلق البشر وخلق لغاتهم.

وإيراد بعض مفردات هذه اللغة غير المشهورة في القرآن الكريم دليل قاطع على وجودها، ومثل ذلك قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه:٦٢]، وهو مثل قولهم: أكلوني البراغيث، واللغة المشهورة (وأسر النجوى) بدون الواو، وأكلني البراغيث، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، واللغة المشهورة (يتعاقب فيكم)، فهي وإن كانت لغة غير مشهورة إلا أنها لغة صحيحة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه -يعنون موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام- ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس وتتبعهما العامة، ويقاتلا فرعون وجنوده فينتصرا عليه، ويخرجاكم من أرضكم.

وقوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣] أي: ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر، فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها].

أي: أنهم فاقوا بالسحر، فهم معظمون عند فرعون وعند الناس بسبب السحر، ولهم أموال ووظائف تدر عليهم بسبب السحر، فقالوا: إن هذين الرجلين -أي موسى وهارون- يريدان أن يغلباكم على صناعة السحر حتى تكون الأموال والمكانة لهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض وتفردا بذلك، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم، وقد تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس قال في قوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣]: يعني: ملكهم الذي هم فيه والعيش.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣]، قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.

وقال مجاهد: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣] قال: أولو الشرف والعقل والأسنان].

والمقصود أشرافكم وسرواتكم وأكابركم.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال أبو صالح: {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣]: أشرافكم وسرواتكم، وقال عكرمة: بخيركم، وقال قتادة: وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل، وكانوا أكثر القوم عدداً وأموالاً، فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما وقال عبد الرحمن بن زيد: ((بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى)) أي بالذي أنتم عليه].