للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)]

قال الله تعالى: [{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].

قال المؤلف رحمه الله: [أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، فاصبر أنت على فعلها، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:٦].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبيت عنده أنا ويرفأ].

كان يبيت عند غلمانه، فـ زيد بن أسلم غلام ويرفأ غلام آخر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكان له ساعة من الليل يصلي فيها، فربما لم يقم فنقول: لا يقوم الليلة كما كان يقوم، وكان إذا استيقظ أقام يعني أهله، وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢].

وقوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢] يعني: إذا أقمت الصلاة آتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣]].

وتقوى الله هي توحيد الله وطاعته وأداء الأوامر واجتناب النواهي، فمن وحد الله وأدى حقه واجتنب نهيه، فهو المستقيم، وهو موعود بالرزق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨]، ولهذا قال: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢]، وقال الثوري: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه:١٣٢] أي: لا نكلفك الطلب.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا حفص بن غياث عن هشام عن أبيه: أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفاً، فإذا رجع إلى أهله فدخل الدار قرأ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه:١٣١] إلى قوله: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢]، ثم يقول: الصلاة الصلاة رحمكم الله].

وهشام هو هشام بن عروة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني قال: حدثنا سيار قال: حدثنا جعفر عن ثابت رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله: يا أهلاه! صلوا صلوا، قال ثابت: وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة)].

فزعوا أي: في النوافل، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة) فيصلي النافلة، وإذا كانت فريضة صلى الفريضة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روى الترمذي وابن ماجة من حديث عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: يا ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك).

وروى ابن ماجة من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك)].

قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢] هذا عام في الفرائض، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)، فالأهل والأولاد كلهم يجب أمرهم بالصلوات المفروضة، والنوافل تبع، لكن المهم هي الفرائض، ومن ذلك ما جاء في الحديث: (رحم الله من قام من الليل وأيقظ أهله، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل وزوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)، وهذا من التعاون على البر والتقوى، ومن أمر الأهل بالصلاة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروي أيضاً من حديث شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت الدنيا همه: فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته: جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)].

وهذا سند جيد.

وأحياناً ينبغي للإنسان أن يجعل همه هم الآخرة، والدنيا تكون وسيلة لا غاية، فإذا جعل هم الآخرة نصب عينيه أتت الدنيا وهي راغمة، وإذا جعل الدنيا همه تشتت عليه أموره، وامتلأ قلبه بالدنيا، وتشعبت الهموم عليه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، وفاته نصيبه من الآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] أي: وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة -وهي الجنة- لمن اتقى الله، وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأنا أتينا برطب ابن طاب فأولت ذلك: أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة، وأن ديننا قد طاب)].

وهذا ثابت في الصحيحين، وفيه: (أتينا برطب ابن طاب) وهذا نخل في المدينة يسمى رطب ابن طاب، وتأولها النبي: بأن عيشنا قد طاب، هذا من باب الفأل الحسن، فقد تفاءل عليه الصلاة والسلام بذلك.