[تفسير قوله تعالى: (فأوجس في نفسه خيفة موسى)]
قال الله تعالى: قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:٦٧ ٧٠].
قال المؤلف رحمه الله: [أي: خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه].
أي: خاف على الناس ولم يخف على نفسه من سحرهم، فالله ثبته وأمره بأن يلقي العصا التي في يده.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن: (وألق ما في يمينك) يعني: عصاه، فإذا هي {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} [طه:٦٩]، وذلك أنها صارت تنيناً عظيماً هائلاً].
والتنين هو الذكر من الحيات العظيمة، وهو من أسماء الحيات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئاً إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة، فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون].
أي: بطل السحر واضمحل وزال وذهب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:٦٩]، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن موسى الشيباني قال: حدثنا حماد بن خالد قال: حدثنا ابن معاذ أحسبه الصائغ عن الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أخذتم -يعني: الساحر- فاقتلوه، ثم قرأ: ((وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى))، قال: لا يؤمن به حيث وجد)، وقد روى أصله الترمذي موقوفاً ومرفوعاً].
قال الترمذي هذا الحديث لم يأت مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف هذا الحديث.
وعلى كل حال فإنه يوجد غير هذا الحديث ينص على قتل الساحر، وقد صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صح عن عمر أنه أمر بقتل كل ساحر، وأنه كتب إلى عماله أن يقتلوا كل ساحر وساحرة، قال الراوي: فقتلنا ثلاث سواحر.
وجاء عن حفصة أنها أمرت بجارية لها سحرتها فقتلت، وكذا صح عن جندب أنه أمر بقتل الساحر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه -ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه- علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون، فعند ذلك وقعوا سجداً لله، وقالوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:١٢١ - ١٢٢]، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما وعبيد بن عمير: كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة وقال محمد بن كعب: كانوا ثمانين ألفاً، وقال القاسم بن أبي بزة: كانوا سبعين ألفاً، وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفاً، وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة: كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفاً، وقال محمد بن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألفاً، وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفاً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن علي بن حمزة حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانت السحرة سبعين رجلاً أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا المسيب بن واضح بمكة حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي: لما خر السحرة سجداً رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها.
قال: وذكر عن سعيد بن سلام حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} [طه:٧٠] قال: رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة].