[وصف الله تعالى نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم، كما قال:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[النساء:١٥٥] وذكر حديث تقليب القلوب: (ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)، وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفاء، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراًً) الحديث.
قال ابن جرير: والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما حدثنا به محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤]).
هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن الليث بن سعد وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان به، وقال الترمذي: حسن صحيح].
هذا الحديث مروي عن قتيبة عن الليث؛ لأن قتيبة يروي عن الليث بن سعد.
قال في الخلاصة: قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلي -بمعجمة- أحد أئمة الحديث عن مالك والليث وسعيد بن جعفر، وعنه البخاري مسلم وأبو داود والترمذي قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ثم قال ابن جرير: فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ولا للكفر عنها مخلص].
أي: تكون ممنوعة من وصول الحق إليها، فلا ينفذ إليها الحق ولا يخرج منها الباطل، الكفر لا يخرج، والإيمان لا يدخل، نعوذ بالله، ونسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ}[البقرة:٧] نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه عنها].
ومعلوم أن الختم المعنوي مثل الختم الحسي، كما أن الشيء المختوم عليه حساً والظروف المختوم عليها لا يصل إليها شيء حتى يفض الخاتم، فكذلك الختم المعنوي، وهذا الختم إنما يزول إذا وفق الله العبد بالإيمان والعمل الصالح ومن عليه.