قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا -أيضاً- من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه، وأنه يرسل الرياح فتثير سحاباً، فتمطر على الأرض الجرز التي لا نبات فيها وهي هامدة يابسة سوداء ممحلة، {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}[الحج:٥]، وقوله جل وعلا:{فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[الحج:٦٣] الفاء هاهنا للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه، كما قال تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً}[المؤمنون:١٤]، الآية.
وقد ثبت في الصحيحين أن بين كل شيئين أربعين يوماً، ومع هذا هو معقب بالفاء، وهكذا هاهنا قال:{فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً}[الحج:٦٣]، أي: خضراء بعد يبسها ومحولها].
أي: بعد أن كانت الأرض يابسة ممحلة تصبح مخضرة، وهذا دليل على إحياء الله الموتى، وكثيراً ما يدلل سبحانه وتعالى على إحياء الموتى بإحياء الأرض بالنبات بعد يبسها ومحولها، وذلك بأن ينزل الله عليها الماء فتنبت وتصير خضراء، فكذلك الأموات يحييهم الله بعد أن كانوا أمواتاً، فيعيد الحياة إليهم؛ لأنه سبحانه وتعالى قدير، وهو قادر على أن يعيدهم من الذرات التي تحولوا إليها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وقد ذكر عن بعض أهل الحجاز أنها تصبح عقب المطر خضراء، فالله أعلم].
فالفاء للتعقيب في قوله تعالى:(فتصبح)، يعني: إذا نزل الماء فإنه يعقبه اخضرار الأرض، وهذا التعقيب قد يطول وقد يقصر، مثل قوله تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا}[المؤمنون:١٤] فبين كل طور وطور أربعون يوماً، فالنطفة تكون أربعين يوماً، ثم تكون العلقة أربعين يوماً، ثم تكون المضغة أربعين يوماً، واخضرار الأرض قد يكون في أقل من هذه المدة.