للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من إفساد المنافقين في الأرض]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها].

كل ما ذكر هو من صفات المنافقين وهو إقامتهم على الشرك، وشكهم في دين الله، ومظاهرتهم ومعاونتهم أهل التكذيب من مشركي أهل مكة واليهود في المدينة، فإن المنافقين كانوا يظاهرونهم ويعاونونهم على المسلمين، نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا الذي قاله حسن؛ فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣]].

كان المنافقون يتخذون اليهود أولياء، وكانوا يفضلون أهل مكة من المشركين على المؤمنين، ويظاهرونهم ويعاونونهم، وهذا من إفسادهم في الأرض.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء:١٤٤] ثم قال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:١٤٥].

فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل؛ لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف، ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح ونجح، ولهذا قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] أي: نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، كما قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة -أو سعيد بن جبير - عن ابن عباس: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] أي: نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.

يقول الله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:١٢] يقول: ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً].

ولهذا صاروا في الدرك الأسفل من النار -نعوذ بالله-؛ لأنهم شاركوا اليهود والوثنين في الكفر، فهم كفار مثلهم، وزادوا في خداع المؤمنين حين أظهروا الإسلام، فصار التباسهم أشد، وصار ضررهم أعظم، فلهذا عاقبهم الله فكانت عقوبتهم أشد، فصاروا في الدرك الأسفل من النار.

وهم يعيشون بين المسلمين، وتجرى عليهم أحكام الإسلام في الظاهر، إلا من أظهر نفاقه، ومن لم يظهر نفاقه فإنه تجري عليه أحكام الشرع، ولن ينفعهم في الآخرة إجراء الأحكام عليهم.