للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إذهبا إلى فرعون إنه طغى لعله يتذكر أو يخشى)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:٤٣]، أي: تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه].

قال الله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}، يا من يتحبب إلى من يعاديه، فكيف بمن يتولاه ويناديه.

وقال وهب بن منبه: قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة.

وعن عكرمة في قوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:٤٤]، قال: لا إله إلا الله، وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:٤٤] اعذرا إليه، قولا له: إن لك رباً ولك معاداً، وإن بين يديك جنة وناراً.

وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:٤٤]، قال: كنّه، وكذا روي عن سفيان الثوري: كنّه بـ أبي مرة].

فهذه كنية فرعون على ما جاء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥].

وقوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤]، أي: لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو يخشى أي: يوجد طاعة من خشية ربه كما قال تعالى: (لمن أراد أن يذكر أو يخشى)، فالتذكر: الرجوع عن المحذور والخشية: تحصيل الطاعة، وقال الحسن البصري في قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤]، يقول: لا تقل -أنت يا موسى وأخوك هارون- أهلكه قبل أن أعذر إليه].

أن أعذر إليه يعني: قبل أن يذهب عذرك فتقيم عليه الحجة ولا يكون له عذر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهاهنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل ويروى لـ أمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق: وأنت الذي من فضل منّ ورحمة بعثت إلى موسى رسولاً منادياً.

يخاطب الرب سبحانه وتعالى، والمقصود بقوله: بعثت إلى موسى أي: الوحي.

قال: [فقلت له فاذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان باغيا فقولا له هل أنت سويت هذه بلا وتد حتى استقلت كما هيا].

يعني: الأرض.

قال: [وقولا له: أأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق إذاً بك بانيا].

يعني: السماء فذكر الأرض بلا وتد، والسماء بلا عمد.

قال: [وقولا له: أأنت سويت وسطها منيراً إذا ما جنه الليل هاديا وقولا له: من يخرج الشمس بكرة فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبة في رءوسه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا].

لمن كان واعيا، أي: لمن يتذكرو كان عنده وعي.

وقوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤]، قيل: معنى (لعل) في هذا الموضع الاستفهام فكأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)) فانظرا هل يتذكر ويرجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه.