(لن) تأتي لنفي التأبيد في بعض المواضع، وفي بعضها لا تفيد التأبيد، وقد استدل المعتزلة على نفي رؤية الله بـ (لن) في قول الله تعالى لموسى لما قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:١٤٣]، قال الله:{لَنْ تَرَانِي}[الأعراف:١٤٣]، قال المعتزلة:(لن) هنا لنفي التأبيد في المستقبل، والمعنى: أن الله لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.
ورد عليهم أهل السنة بأن هذا باطل، فـ (لن) هنا ليست لنفي التأبيد، والدليل على أنها ليست لنفي التأبيد أن الله تعالى أخبر أن اليهود لن يتمنوا الموت في الدنيا فقال:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[البقرة:٩٥] ثم أخبر أنهم تمنوه في الآخرة فقال: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:٧٧]، فدل على أنها لا تفيد دوام النفي في الآخرة، حتى ولو أكدت بالتأبيد، كما قال تعالى:(ولن يتمنوه أبداً) فأكد (لن) بالتأبيد، ومع ذلك تمنوه في الآخرة، فالقول بأنها للتأبيد دائماً قول ضعيف، ولهذا يقول ابن مالك في الألفية: ومن رأى النفي بلن مؤبداً فقوله اردد وسواه فاعضدا يعني: هذا قول ضعيف، وهو قول من رأى أن النفي بـ (لن) أنه يفيد التأبيد، فليست للتأبيد؛ لأنها لو كانت للتأبيد لما حدد الفعل بعدها، في مثل قول الله تعالى عن إخوة يوسف:{فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}[يوسف:٨٠] فبقوله: (حتى) دل على أنه مؤقت، لكن الظاهر أنها قد تفيد التأبيد في بعض المواضع، كما في هذه الآية، وذلك بحسب القرائن والأدلة، وفي هذه الآية هي للتأبيد ولا شك {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}[البقرة:٢٤] أي: لا يستطيعون هذا أبداً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ولن لنفي التأبيد في المستقبل، أي: ولن تفعلوا ذلك أبداً، وهذه -أيضاً- معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً مقدماً غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين].
يعني الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه بوحي من الله.