للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله)

قال الله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف:٧٤ - ٧٦].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى: (فَانطَلَقَا) أي: بعد ذلك، (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ) وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى، وأنه عمد إليه من بينهم -وكان أحسنهم وأجملهم وأوضأهم فقتله- وروي أنه احتز رأسه، وقيل: رضخه بحجر، وفي رواية: اقتلعه بيده، والله أعلم].

أي أنه قتله، وفي بعض الروايات أنه اقتلعه بيده وألقاه كما ترمى الكرة، وفي بعضها أنه رضخه وفي بعضها أنه احتز رأسه بالسكين، فالمهم أنه قتله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلما شاهد موسى عليه السلام هذا أنكره أشد من الأول، وبادر فقال: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}، أي: صغيرة لم تعمل الحنث، ولا حملت إثماً بعد فقتلته؟].

الحنث: الإثم، يعني: لم يبلغ أن يحمل الإثم، وإذا لم يبلغ فليس عليه حنث، ولهذا يقول العلماء: عمد الصبي والمجنون خطأ، فالصبي والمجنون إذا فعلا شيئاً يعتبر خطأً، كما لو قتل الإنسان خطأً، فلا يؤاخذ به الإنسان، ومثله عمد الصبي والمجنون؛ لأن الصبي لا فعل له، فلو تعمد الصبي وفعل شيئاً يكون حكمه حكم الخطأ، وكذلك المجنون، وهذا ما بلغ الحنث، ولا يمكن أن يؤاخذ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: بغير مستند لقتله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}، أي: ظاهر النكارة].

وكان إنكاره عليه هنا أشد من إنكاره على خرق السفينة، وقال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}، وفي الأول قال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}، فرد عليه الخضر رداً أقوى ليناسب إنكاره، ففي الأول قال الخضر: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، وفي قتل الغلام لما شدد عليه في الإنكار رد عليه رداً قوياً فقال: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} تأكيداً، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، فكان الرد مناسباً للإنكار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، فأكد -أيضاً- في التذكار بالشرط الأول، فلهذا قال له موسى: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا} أي: إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة {فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي: قد أعذرت إلي مرة بعد مرة.

قال ابن جرير: حدثنا عبد الله بن زياد، حدثنا حجاج بن محمد، عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب، لكنه قال: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}) مثقلة].

يعني: أن الذي شرط على نفسه هو موسى، فقال: هذه آخر مرة، فإن سألتك بعدها انتهت الصحبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب)، ويعني: ليته صبر، وليته لم يشترط حتى يقص الله علينا من خبرهما من القصص ما نستفيد منه.

وضعوا قوسين [مثقلة]، قال في الحاشية: هذه زيادة من (ف) (أ)، يعني أن الطبري زادها.

ويعني بقوله [مثقلة]: أن نون (لدني) مشددة، وهي قراءة السبعة ما عدا نافعاً، فإنه قرأها (من لدني) بالتخفيف، والقراءة المشهورة قراءة حفص، وهي (من لدُنّي) بالتشديد والتثقيل.