[دلائل نبوة الخضر عليه السلام]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا}، هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى؛ لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله].
الحُلْم والحُلُم كما في قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور:٥٩] يعني: سن التكليف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال في الغلام: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف:٨١]، وقال في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]، فالله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي: هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة ووالدي الغلام وولدي الرجل الصالح، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}، أي: لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام].
وهذه دلالة واضحة، وهذا هو الصواب؛ لأنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي: إنما فعله بوحي من الله، والجمهور يرون أنه عبد صالح، والصواب أنه نبي يوحى إليه؛ لما في الآية الكريمة: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}، إنما فعله بوحي من الله، ولأن هذه الأعمال لا يمكن أن يفعلها الإنسان بالإلهام، وإنما يفعلها بوحي من الله، فالإقدام على قتل الغلام، وخرق السفينة، وكذلك بناء الجدار، وإخبار موسى بأنه ليتيمين في المدينة، وأنهما سيبلغان أشدهما لا يعلم كل هذا إلا الله، ومن يعلم أن هذين اليتيمين سيعيشان ويكبران ويأخذن كنزهما بغير وحي من الله؟! ثم القول بأنه فعل هذه الأشياء بالإلهام هو من كلام الصوفية الذين يقدمون على الأفعال المحرمة ويدعون أن هذا بإلهام، ويحتجون بقصة الخضر.
والصواب أن الخضر نبي يوحى إليه، كما هو صريح في قوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}.
وهذا له نظائر؛ لأن الفضل والخير يضاف إلى الله، والشر لا يضاف إلى الله -وإن كان الله خالق الجميع- من باب الأدب، كما قال الله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:٢]، قال تعالى عن الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:١٠]، فالشر ما أضافوه إلى الله، بل قالوا: ((أَشَرٌّ أُرِيدَ))، والخير أضافوه إلى الله فقالوا: ((أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا)) وهذا من أدب الجن، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (والشر ليس إليك)، يعني: الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده لا ينسب إلى الله ولا يضاف إلى الله، مع أن الله تعالى خالق كل شيء، لكن الشر لا يضاف إلى الله من باب الأدب، والخير يضاف إليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام، مع ما تقدم من قوله: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
وقال آخرون: كان رسولاً، وقيل: بل كان ملكاً، نقله الماوردي في تفسيره، وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبياً، بل كان ولياً، فالله أعلم].
قيل: إنه ولي وعبد صالح، وقيل: إنه كان نبياً، وقيل: إنه كان رسولاً، وقيل: إنه كان ملكاً، فهذه أربعة أقوال، والأكثرون على أنه عبد صالح، وأنه قال هذه الأشياء بإلهام وتعريف من الله، وهذا هو علم اللدني، حيث قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}، وذهب إلى هذا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وكثير من أهل العلم.
والقول الثاني: أنه نبي، والقول الثالث: أنه رسول، والقول الرابع: أنه ملك، والصواب: أنه نبي يوحى إليه.