[تفسير قوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم)]
قال الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:٧].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال السدي: {خَتَمَ اللَّهُ} [البقرة:٧] أي: طبع الله، وقال قتادة في هذه الآية: استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه، فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون.
والختم والقفل والران أمور معنوية، وهي حواجز تمنع وصول الخير إليها -نسأل الله السلامة والعافية- عقوبة لهم على صدودهم وإعراضهم عن الحق، وهذا عدل من الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:١١٨]، وقال سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف:٧٦]، فلما جاءهم الحق فعرفوه، واتضح لهم فأعرضوا عنه وصدوا عنه؛ عاقبهم الله بزيغ القلب، نسأل الله السلامة والعافية، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥]، وقال سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:١١٠].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جريج: قال مجاهد: ((خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ)) قال: الطبع، ثبتت الذنوب على القلب تحف به من نواحيه حتى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطبع، والطبع: الختم، قال ابن جريج: الختم: على القلب والسمع].
قوله: [ثبتت الذنوب] الظاهر والصحيح أنه [نبئت أن الذنوب على القلب]، فالظاهر: أنها مأخوذة عن ابن جريج (نبئت).
والمعنى أنها تدور عليه وتحف به من جميع الجوانب، وتكون دائرة كالختم المستدير، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جريج: وحدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهداً يقول: الران أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد من ذلك كله].
هناك طبع وران، وكذلك رين، وهو الغطاء اليسير، وكذلك غين، وهو غطاء خفيف يكون مع الغفلة، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله وأتوب إليه في المجلس أكثر من مائة مرة).
فالغين غطاء يسير يكون بسبب الغفلة على القلب، فهنا: غين وران وطبع وقفل وختم، وكل هذه حواجز وموانع بعضها أشد من بعض، فهي حواجز معنوية تمنع عن الخير، وأشدها القفل الذي يقفل على القلوب، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] وكذلك الأكنة، قال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت:٥].
وقال سبحانه: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين:١٤] من الران، جاء في الحديث أن الذنوب تجثم على الإنسان حتى تكون كالران على القلب، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الأعمش: أرانا مجاهد بيده فقال: كانوا يرون أن القلب في مثل هذه -يعني: الكف- فإذا أذنب العبد ذنباً ضم منه، وقال بإصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب ضم، وقال بإصبع أخرى، فإذا أذنب ضم، وقال بإصبع أخرى هكذا، حتى ضم أصابعه كلها، ثم قال: يطبع عليه بطابع].
وجاء في الحديث الآخر: (أن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى يعلق بها قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال مجاهد: كانوا يرون أن ذلك الرين، ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن الأعمش عن مجاهد بنحوه].