[تفسير قوله تعالى:(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر)]
قال الله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}[الكهف:٧٩].
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى عليه السلام، وما كان أنكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر -عليه السلام- على حكمة باطنه].
يعني: على حكمة الشيء، والباطن: الشيء الخفي، أطلع الله الخضر على الحكمة الخفية، وموسى لا يعلم إلا الظاهر، والخضر أعطي علم الباطن، ولهذا قال بعضهم: إن الخضر ألهمه الله العلم اللدني الباطني، ويحتج الصوفية بأنهم يعلمون مثل ما يعلم الخضر، والخضر الصواب في نشأته أنه نبي يوحى إليه، وأعطاه الله حكمة باطن هذه الأشياء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقال: إن السفينة إنما خرقتها لأعيبها؛ لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة، {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} صالحة، أي: جيدة {غَصْبًا}، فأردت أن أعيبها لأرده عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها، وقد قيل: إنهم أيتام].
وهذا يدل على أن المسكين يكون عنده شيء من المال ويسمى مسكيناً، فهؤلاء مساكين يملكون سفينة، والمسكين عند العلماء هو: الفقير الذي لا يجد تمام الكفاية لمدة سنة من نفقة وكسوة وسكنى، فيعطى ما يتمم كفايته، كأن يكون عنده ما يكفيه لنصف السنة أو ثلثي السنة أو ثلاثة أرباع السنة، فيعطى من مال الزكاة ما يكفيه لمدة سنة كسوة وسكنى وطعاماً له ولعائلته، والفقير أشد حاجة منه، فالفقير هو المعدم الذي لا يجد شيئاً أو يجد أقل من نصف الكفاية، أما المسكين فيجد نصف الكفاية، إلا أنه لا يجد تمام الكفاية، ولذلك بدأ الله بالفقراء في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[التوبة:٦٠]، وإذا أطلق المسكين وحده دخل فيه الفقير، وإذا أطلق الفقير وحده دخل فيه المسكين، وإذا اجتمعا فسر الفقير بأنه المعدم الذي لا يجد شيئاً أو يجد أقل من النصف، والمسكين الذي يجد نصف الكفاية ولا يجد تمام الكفاية، وفي الحديث:(ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس) يعني: هذا أشد مسكنة، فالمسكين هو الذي يأتي ويدق الأبواب ويمد يده، فيعطيه هذا لقمة وهذا أكلة، وهذا ريالاً، وأشد منه المسكين الذي يستحي، فلا يقوم فيسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه؛ لأن عليه علامة غنى، قال تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}[البقرة:٢٧٣]، فهذا هو الذي ينبغي البحث عنه، فهو ليس عنده شيء، وقد يموت في بيته ولا يعلم عنه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وقد روى ابن جريج عن وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي أن اسم ذلك الملك هدد بن بدد].
هذا من أخبار بني إسرائيل، والله أعلم بأسمائهم، ولو كان في اسمه مصلحة لسماه الله لنا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وقد تقدم -أيضاً- في رواية البخاري، وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق، وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة، والله أعلم].