للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (واتبعوا الشهوات)]

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:٥٩]، قال: عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة].

الأزقة هي: الأسواق، والمراد بقوله: عند قيام الساعة أي: عند قرب قيام الساعة، ويشير إلى ما ورد في الحديث أنه في آخر الزمان وفي قرب قيام الساعة تأتي ريح طيبة وباردة من جهة اليمن فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، حتى لو كان المؤمن في كبد جبل لدخلت إليه حتى تقبضه، فلا يبقى على وجه الأرض إلا الكفرة، فيتناكحون في الأسواق وفي الشوارع مثل الحيوانات، فعليهم تقوم الساعة، فهؤلاء لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ولا يعرفون التوحيد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله).

وهذا في آخر الزمان بعد علامات الساعة الكبرى، فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأصنام والأوثان، وهم بذلك على أحسن حال في رزقهم وعيشهم فعليهم تقوم الساعة وهم يعملون، فلهم عقول لكن لا ينتفعون بها، ولهم آذان يسمعون بها في أمور دنياهم، ويبيعون ويشترون ويأكلون ويشربون ويغرسون، فتقوم الساعة وأحدهم يغرس الفسيلة قبل أن ينتهي من غرسها، وكذلك يرفع اللقمة فلا تصل إلى فمه حتى تقوم عليه الساعة، وتقوم الساعة والرجل يلوط الحوض لإبله، وتقوم الساعة والرجلان يتمادان في بيع القماش.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا روى ابن جريج عن مجاهد مثله، وروى جابر الجعفي عن مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح أنهم من هذه الأمة.

يعنون في آخر الزمان.

وقال ابن جرير: حدثني الحارث قال: حدثنا الحسن الأشيب قال: حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:٥٩] قال: هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق، لا يخافون الله في السماء، ولا يستحيون الناس في الأرض].

جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي مدلس من الخامسة، فهو ضعيف في الحفظ ورافضي في العقيدة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال: حدثنا حيوة حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه: أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيًّا)].

الخلْف بإسكان اللام هو العقب الفاسد، وبالفتح هو العقب الصالح، فعلى المعنى الأول قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم:٥٩]، وكذلك قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:١٦٩].

وعلى المعنى الثاني يقال: هؤلاء خير خلف لخير سلف، أي: هؤلاء صالحون يتبعون السلف الصالح.

قال: [(ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر).

قال بشير: قلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ قال: المؤمن مؤمن به، والمنافق كافر به، والفاجر يأكل به، وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن المقرئ به.

وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن موسى أنبأنا عيسى بن يونس حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن مالك عن أبي الرجال (أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة، وتقول: لا تعطوا منه بربرياً ولا بربرية، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هم الخلف الذين قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم:٥٩])، هذا حديث غريب].

وعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ليس بالقوي، فيه غرابة ونكارة.

وأهل الصفة هم فقراء الصحابة كانوا يسكنون زاوية في المسجد.

وأبو الرجال هو: أبو محمد بن عبد الرحمن بن حارثة البخاري.

وفي قوله: (هذا حديث غريب) قال: ورواه الحاكم في المستدرك من طريق الحسن بن علي عن إبراهيم بن موسى به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: عبيد الله مختلف في توثيقه، ومالك لا أعرفه ثم هو منقطع].

فهذا الحديث ضعيف لأنه منقطع، ومالك هذا يقول عنه الذهبي أنه لا يعرفه.

والحديث فيه نكارة وغرابة وهو أنها تبعث الصدقة لأهل الصفة، وتقول: لا تعطوا منه بربرياً ولا بربرية، لأن أهل الصفة ليس فيهم بربري ولا بربرية، ولو فرضنا أنهم فيهم فيكون مسلمين في المدينة، ولا يمكن أن يكونوا مع أهل الصفة وهم كفار.

ومن وجوه الغرابة فيه قصر إضاعة الصلاة على جنس بعينه، وليس في الكتاب ولا في السنة الصحيحة دليل على ذلك.

فكل من أضاع الصلاة واتبع الشهوات سواء كان من البربر أو من غيرهم، فإنه من الذين قال الله فيهم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:٥٩].

فلا يثبت هذا الأثر لانقطاعه، وضعف عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب كما قال الذهبي رحمه الله، ولأن في متنه غرابة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أيضاً، قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا حريز عن شيخ من أهل المدينة أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم:٥٩] الآية، قال: هم أهل الغرب يملكون وهم شر من ملك].

وهذا الحديث غريب وفيه مجهول، وهو قوله: عن شيخ من أهل المدينة.

وفي هذه النسخة: حدثنا حريز، وفي نسخة أخرى: حدثنا ابن جرير.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال كعب الأحبار: والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل: شرابين للقهوات تاركين للصلوات، لعابين بالكعبات رقادين عن العتمات مفرطين في الغدوات تراكين للجماعات قال: ثم تلا هذه الآية: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:٥٩]].

المراد بالقهوات جمع قهوة وهي الخمر، لأنهم يشربونها شيئاً بعد شيء.

وقوله: تراكين للصلوات، وفي نسخة تاركين، فتراكين صيغة مبالغة.

والكعبات هي من أنواع الميسر والقمار ويوجد في هذا الزمان أنواع من الكعبات.

فقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:٥٩]، أي: شربوا الخمر ولعبوا الميسر.

والعتمات جمع عتمة وهي صلاة العشاء، فكانوا يرقدون عنها، والغدوات جمع غداة وهي صلاة الفجر.

فهؤلاء جمعوا شروراً كثيرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الحسن البصري: عطلوا المساجد ولزموا الضيعات].

الضيعات هي الأموال والمزارع، فكانوا يشتغلون فيها ويضيعون الصلوات.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو الأشهب العطاردي: أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود! حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته عليَّ أن أحرمه طاعتي].

هذا من أخبار بني إسرائيل، والراوي أبو أشهب العطاردي وبينه وبين داود عليه السلام دهور، وهذا الأثر قد يكون معناه صحيحاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا أبو السمح التميمي].

وأبو السمح هو دراج بتثقيل الراء وآخره جيم ابن سمعان أبو السمح بمهملتين الأولى مفتوحة والميم ساكنة، قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقب، السهمي مولاهم المصري القاص صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف.

فإذا روى عن أبي الهيثم يكون ضعيفاً وهو صدوق، إذا روى عن غيره.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن أبي قبيل أنه سمع عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أخاف على أمتي اثنتين: القرآن واللبن، أما اللبن فيتبعون الريف ويتبعون الشهوات ويتركون الصلوات، وأما القرآن فيتعلمه المنافقون فيجادلون به المؤمنين)].

ومعنى الحديث أنهم يتبعون الشهوات في الدنيا، فيربون الأغنام والأبقار والإبل ويظهرون ويتوسعون في هذا ويتركون الصلوات.

وأبو قبيل هو حيي بن هانئ بن ناضر بنون ومعجمة أبو قبيل بفتح القاف وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة المعافري البصري صدوق يهم من الثالثة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورواه عن حسن بن موسى عن ابن له