للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون)]

قال الله تعالى: [{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم:٣٤ - ٣٧].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى عليه السلام: {قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:٣٤] أي يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به؛ ولهذا قرأ الأكثرون (قولُ الحق) برفع قول].

(ذلك عيسى بن مريم قولُ الحق) والقراءة المشهورة لـ حفص بالنصب، {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم:٣٤].

قال: [ولهذا قرأ الأكثرون (قولُ الحق) برفع قول، وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر (قولَ الحق)، وعن ابن مسعود أنه قرأ: (ذلك عيسى بن مريم قال الحق) والرفع أظهر إعرابا، ويشهد له قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران:٦٠]، ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبياً نزه نفسه المقدسة فقال: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} [مريم:٣٥]].

فقراءة حفص عن عاصم (قولَ الحق) بالنصب، والرفع أظهر مثلما قال الحافظ رحمه الله: (ذلك عيسى بن مريم قولُ الحق) مبتدأ وخبر، أما النصب فعلى تقدير فعل، أي: أعني قولَ الحق.

قال: [ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبيا نزه نفسه المقدسة فقال: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} [مريم:٣٥] أي: عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علواً كبيراً.

{إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم:٣٥] أي: إذا أراد شيئاً فإنما يأمر به، فيصير كما يشاء كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران:٥٩ - ٦٠].

وقوله: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم:٣٦]، أي: ومما أمر عيسى به قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم وأمرهم بعبادته فقال: {فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم:٣٦] أي: هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم، أي: قويم من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى].