للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:١٠٢]، أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر وما يتصرفون به من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وهذا من صنيع الشياطين، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن طلحة بن نافع].

أبو سفيان هو طلحة بن نافع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس)].

يضع الشيطان عرشه على الماء تشبهاً بالله؛ لأن الله تعالى عرشه على الماء، فالشيطان من خبثه يفعل ذلك ثم يبعث سراياه، فقبحه الله وأخزاه.

قال: [(إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، ويجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا -والله- ما صنعت شيئا! ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله.

قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت)].

قوله: [(نعم أنت)]، يحتمل أن (نعم) بفتح النون والعين، ويحتمل أنها (نِعْم أنت)، فتكون فعلاً، والمقصود بالمدح محذوف وتقديره: نِعْم الرجل أنت، أو نِعْم الشخص أنت، ولابد من أن يكون معرفة.

والجن يسمون رجالاً، كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦]، فلهذا يقول الشيطان لبعض جنده: نعم الرجل أنت.

فإن قيل: كيف نعرف بالدليل أن الله تعالى عرشه على الماء؟ قلنا: إنه قد أخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:٧]، ويقال: إنه في السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، وفوق ذلك العرش، والله تعالى مستوٍ عليه استواءً يليق بجلاله وعظمته.

والسنة المطهرة تبين لنا ذلك أيضاَ، كما جاء في حديث عبد الله بن عوف: (إن الله كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلُق أو نحو ذلك، أو عقد، أو بغضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة].

الساحر حينما يفرق بين المرء وزوجه يخيِّل إلى الرجل أن امرأته في صورة قبيحة كريهة مشوهة فينفر منها، ويخيل إلى المرأة أن زوجها بصورة قبيحة حتى تنفر منه، فتحصل الفرقة وهذا هو سحر التفريق، وهو الصرف.

والجمع يكون بضد ذلك، بأن يحسنها في عينه حتى تكون من أجمل الناس، ولو كانت دميمة الخلق، والحال كذلك بالنسبة للرجل، وهذا هو العطف.

فالتفريق هو الصرف، والجمع هو العطف، وهما من أنواع السحر، قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:١٠٢].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمرء عبارة عن الرجل وتأنيثه امرأة، ويثنى كل منهما ولا يجمعان، والله اعلم].

يقال: امرأة وامرأتان، والمرء والمرءان، ولا يجمعان.