[خبر يأجوج ومأجوج وإفسادهم في الأرض]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه ابن جرير هاهنا من حديث جبلة به، والأحاديث في هذا كثيرة جداً، والآثار عن السلف كذلك، وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معمر عن غير واحد عن حميد بن هلال عن أبي الصيف قال: قال كعب].
وفي نسخة أبو الضيف.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: قال كعب رضي الله عنه: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج، حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غداً فنخرج، فيعيده الله كما كان.
فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غداً فنخرج إن شاء الله، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه، فيحفرون حتى يخرجوا، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة، فيشربون ماءها].
الزمرة الأولى بمعنى: الجماعة الأولى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء، فيفر الناس].
أي: يبست البحيرة فالأولى: شربت الماء والثانية: لحسوا الطين، والثالثة: ما وجدت الماء فقالت: قد كانت مليئة يوماً بالماء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيفر الناس منهم، فلا يقوم لهم شيء.
ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مخضبة بالدماء].
وهذا ابتلاء وامتحان.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيقولون: غلبنا أهل الأرض وأهل السماء، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم عليه السلام، فيقول: اللهم لا طاقة ولا يد لنا بهم، فاكفناهم بما شئت، فيسلط الله عليهم دوداً يقال له: النغف فيفرس رقابهم].
وفي نسخة: فيفرش.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويبعث الله عليهم طيراً تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر، ويبعث الله عيناً يقال لها: الحياة يطهر الله الأرض وينبتها، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن].
المقصود بالسكن ساكن البيت.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن.
قيل: وما السكن يا كعب؟ قال: أهل البيت قال: فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن السويقتين يريده].
والمراد بأتاهم الصريخ أي: المنذر، المحذر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: فيبعث عيسى بن مريم طليعة سبعمائة، أو بين السبعمائة والثمانمائة، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحاً يمانية طيبة، فيقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى عجاج الناس، فيتسافدون كما تتسافد البهائم].
يتسافدون المقصود به النكاح، فيتناكحون في الشوارع كالبهائم لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً نعوذ بالله، وهذا من كعب الأحبار والبعض جعله من الأحاديث الصحيحة، وهو من كلام كعب لكن له شواهد منها في صحيح مسلم وغيره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيتسافدون كما تتسافد البهائم فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه متى تضع قال كعب: فمن قال بعد قولي هذا شيئاً أو بعد علمي هذا شيئاً فهو المتكلف].
ومعنى قول كعب أي: من زاد شيئاً لم أقله فهو متكلف، إذ لم يرد علم به.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذا من أحسن سياقات كعب الأحبار لما شهد له من صحيح الأخبار].
وصدق رحمه الله فهذا من أحسن ما روى كعب الأحبار لأن له شواهد في الأحاديث الصحيحة في مسلم وفي غيره، فإن كعب الأحبار رحمه الله من بني إسرائيل الذين أسلموا من التابعين ويروي الغث والسمين، لكن هذا من أحسن سياقاته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد ثبت في الحديث أن عيسى بن مريم يحج البيت العتيق].
بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام يحج الناس البيت؛ لأن الدجال وعيسى من علامات الساعة الكبرى وهي المتقدمة ويعقبها الأشراط المتأخرة كطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة والنار وهذه آخرها، وقد ترتب على هذا النحو، أولها: المهدي، ثم خروج الدجال، ثم نزول عيسى بن مريم، ثم خروج يأجوج ومأجوج، فهذه أربع متوالية وهي أول الأشراط، ثم هناك بقية الأشراط العشرة، فعيسى عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة المتقدمة الكبرى، ولهذا يحج عيسى بالناس آمنين ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقام هذا الدين، فيحج الناس ويصلون ويصومون ثم بعد ذلك تأتي أشراط الساعة الأخرى كهدم الكعبة ونزع القرآن من الصدور والدخان، وطلوع الشمس من مغربها والدابة، وآخرها النار التي تخرج من قعر عدن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا عمران عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليحجن هذا البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج)، انفرد بإخراجه البخاري.
وقوله: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء:٩٧] يعني: يوم القيامة، إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل، أزفت الساعة واقتربت، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:٨] ولهذا قال تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء:٩٧] أي: من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام: {يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء:٩٧] أي: يقولون: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [الأنبياء:٩٧] أي: في الدنيا {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:٩٧]، يعترفون بظلمهم لأنفسهم حيث لا ينفعهم ذلك].
وكذلك في النار يعترفون، قال الله عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠ - ١١] لأن الأوان قد فات نسأل الله السلامة والعافية.
وأن يرزقنا الاستقامة واليقظة والإعتبار، وأن يعيذنا من الغفلة والإعراض، وأن يثبتنا على دينه القويم.
وقد يسأل سائل فيقول: كيف نوفق بين قول الله تعالى: {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥] وبين أنه: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله)؟ والحقيقة أنه لا منافاة بينهما فالأرض يرثها عباد الله الصالحون، حتى ينتهي عباد الله الصالحون بالموت بالريح التي تقبضهم، ثم بعد ذلك تقوم الساعة على شرار الخلق، كما أنهم إنما يرثون الأرض قبل آخر الزمان، وقبل أشراط الساعة الكبرى، ومما يدل على ذلك أن عيسى ومن معه من المؤمنين ورثوا الأرض، فصار الباقين حتى جاءت الريح الطيبة، وقبضتهم وانتهت الأرض، وانتهوا منها ولم يبق في الأرض أحد منهم فتقوم الساعة، أما ما دام في الأرض مؤمنون وكفار فالعاقبة للمتقين، وإذا قبضت أرواح المؤمنين بقي الكفرة فقامت عليهم القيامة، وهنا يعلم أن لا منافاة، والله أعلم.