قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: [ففي هذه القصة العظيمة اعتبار بحال الذي أنعم الله عليه نعماً دنيوية فألهته عن آخرته وأبغته، وعصى الله فيها، وأن مآلها الانقطاع والاضمحلال، وأنه وإن تمتع فيها قليلاً فإنه يحرمها طويلا، وأن العبد ينبغي له إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده أن يضيف النعمة إلى موليها ومحصيها، وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ ليكون شاكراً متسبباً لبقاء نعمته عليه، لقوله:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
وفيها الإرشاد إلى التخلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير، لقوله:{إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}[الكهف:٣٩ - ٤٠]، وفيها أن المال والولد لا ينفعان إن لم يعينا على طاعة الله، كما قال تعالى:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}[سبأ:٣٧]، وفيه الدعاء يتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصاً إن فضل نفسه بسببه على المؤمنين وفخر عليهم].
ففي هذه الآية ما دعا المؤمن على الكافر بأن يرسل الله تعالى على جنته حسباناً من السماء، {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}، فاستجاب الله دعاءه.
قال: [وفيها أن ولاية الله وعدمها إنما تتضح نتيجتها إذا انجلى الغبار وحق الجزاء ووجد العاملون أجرهم، فهناك {الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}[الكهف:٤٤]، أي: عاقبة ومآلاً].
وهذه أمور كلها واضحة بأحكامها وفوائدها، فالإنسان الذي يبتلى بشيء من المال فيغتر، يتمتع به قليلاً ثم سرعان ما يزول، وتبقى عليه حسرة مع ما حرم من ثواب الآخرة، ويستمر على كفره وعناده، وكما أن الإنسان إذا تعجب من شيء أو من نفسه أو أهله يبرك ويقول:(ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، والتبريك هو السبب في دفع العين، ومعروف في قصة العائن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركتا) وكذلك العاقبة إنما تكون للشاكرين المؤمنين، ويقول تعالى:{هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}.