[ذكر سبب تسمية الإسكندر بذي القرنين]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم عليه السلام، وقرب إلى الله قرباناً، وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب (البداية والنهاية) بما فيه كفاية ولله الحمد.
وقال وهب بن منبه: كان ملكاً، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس، وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: (سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين فقال: كان عبداً ناصحاً لله فناصحه].
النصح لله معناه: إخلاص العبادة لله عز وجل، كما في الحديث: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه) فالنصح لله هو إخلاص العبادة وأداء حقه سبحانه، والنصح لكتابه معناه: العمل بالقرآن العزيز، والنصح لرسوله معناه: اتباعه عليه الصلاة والسلام ومحبته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كان عبداً ناصحاً لله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين].
هذا الحديث صححه الحافظ ابن حجر بعد عزوه إلى المختارة للحافظ الضياء، وأخرجه الطبراني من طريق أبي الطفيل قال: سمعت علياً وسألوه، فذكر نحوه.
قال الحافظ الضياء المقدسي: أخبرنا أبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد بن أحمد الثقفي قرأت عليه بأصفهان قال: قلت له: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين الخلال قراءة عليه وأنت تسمع قال: حدثنا الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين بن بندار الرازي أنبأنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن فراس حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديلي حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن الكواء يسأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذي القرنين، فقال علي: (لم يكن نبياً ولا ملكاً، بل كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه، بعث إلى قومه فضربوه على قرنه فمات، فبعثه الله، فسمي ذو القرنين).
وقال أيضاً: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: سئل علي، وساق الحديث.
وهنا سند آخر، قال الضياء المقدسي: أخبرنا عبد العزيز أخبرنا عبد المعز بن محمد الهروي قراءة عليه بها قلت له: أخبركم محمد بن إسماعيل بن الفضيل قراءة عليه وأنت تسمع بأن محلم بن إسماعيل الضبي بأن الخليل بن أحمد الضبي بأن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الفراج حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن حبيب بن حماد قال: (كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب؟ قال: سبحان الله! سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له النور، فقال: أزيدك؟ قال: فسكت الرجل وسكت علي) رواه الضياء في المختارة، وصححه المحقق، ونقل توثيق العجلي في حديث ابن حماد.
والمختارة للضياء يقول عنها شيخ الإسلام رحمه الله بأن أحاديثها أحسن من أحاديث مستدرك الحاكم، لكن الأمر يحتاج إلى نظر في الأسانيد التي سبق ذكرها في الحديث الموقوف على علي.
وكل ذلك من أخبار بني إسرائيل، أي: كونه أحياه الله مرتين، وكذا القول بأنه كان على جانبي رأسه صفحتان من النحاس، وهذا بعيد؛ لأن هذا مخالف لخلق بني آدم، فبنو آدم خلقهم الله من دم ولحم وعظم لا من نحاس، ولو كان هذا صحيحاً لورد في ذلك شيء من الأخبار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع علياً يقول ذلك، ويقال: إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب].
ولعل هذا هو الأقرب، بلغ المشارق والمغارب، والدليل على هذا ما ذكر الله وبينه من أنه بلغ مطلع الشمس ومغربها.