للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة إسلام عبد الله بن سلام]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف)].

ومعنى يحترف -بالحاء- أي: يشتغل في أرضه، وهذا أول إسلامه عندما سمع بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلمة: يحترف مأخوذة من الحرفة.

وتحتمل هذه الكلمة وجهاً آخ وهو: يخترف -بالخاء- أي: يجني الثمر، وهو من الخراف، يعني: جني الثمر، ومنه الخريف؛ لأن جني الثمار يكون في وقت الخريف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهذه جبرائيل آنفاً)].

قال: أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم.

نعم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قال: جبريل؟ قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة:٩٧]، وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت)].

وهنا بادر بالتوبة رضي الله عنه، أي: عبد الله بن سلام الإسرائيلي، وهو مشهود له بالجنة، واليهود قوم بهت، فما أسلم منهم إلا القلة، وعبد الله بن سلام كان سيداً فيهم، فلما أسلم أنكروا فضله، ففي وقت واحد سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: هو خيرنا وابن خيرنا، فلما خرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قالوا: شرنا وابن شرنا في الحال، وهذا من خبثهم قبحهم الله.

وقد جاء في الحديث: أنه لو أسلم عشرة لتبعهم اليهود، لأن اليهود قوم بهت، وعندهم خبث وعتو وعناد، بخلاف النصارى فإنهم أقرب منهم وألين قلوباً، ولهذا يسلم الآن في مكاتب الدعوة الآلاف من النصارى، وما سمعنا يهودياً أسلم، فنعوذ بالله من اليهود ومن أفعالهم.

(وقوله زيادة كبد الحوت) بيانه: أن الكبد فيه قطعة صغيرة زائدة، وهذه الزيادة التي في كبد الحوت هي طعام أهل الجنة، وهذا يعني أن الحوت كبير؛ لأن هذه الزيادة في كبد الحوت تكفي أهل الجنة، وهي أول طعامهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟)].

وكان عبد الله بن سلام قد اختفى عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسألهم عنه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالوا: هو شرنا وابن شرنا وانتقصوه)].

فمن بهتهم أنهم أثنوا عليه في الحال، ثم انتقصوه في الحال.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله!) -انفرد به البخاري من هذا الوجه، وقد أخرجاه من وجه آخر عن أنس بنحوه].

أي: إن هذا الحديث ثابت في الصحيح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من هذا السياق، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى].