قال: [(ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}[الكهف:٧٤])، قال: وهذه أشد من الأولى {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}[الكهف:٧٦]].
هذه المسألة الثانية هي أشد وأشنع من الأولى، فكانت الأولى في البحر، والثانية في الساحل، فإنه لما نزل من السفينة وجد غلاماً يلعب مع الصبيان، فأخذ برقبته وانتزعها ورماه في الأرض، فانزعج موسى انزعاجاً عظيماً، وأنكر عليه أشد الإنكار، وقال:(أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) أي: قتلت نفساً زكية معصومة بغير مسوغ للقتل؟! ولهذا قال:(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) إذ القتل لا يجوز إلا بمقابل، فكيف تقتل غلاماً يلعب مع الصبيان بدون سبب؟! فقال له الخضر:(أَلَمْ أَقُلْ لَكَ)، فأكد بقوله:(لك)؛ لأنه قال له في الأولى:(أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، أما هنا فقال له:(أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) ففيه زيادة تأكيد، وهذا يدل على أنه فعل هذا بوحي من الله، وهذا مما يؤيد أن الخضر نبي يوحى إليه.