[الرحمة النبوية بالمعاندين لرسالة الإسلام]
قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان حدثنا أحمد بن صالح قال: وجدت كتاباً بالمدينة عن عبد العزيز الدراوردي وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال أبو جهل حين قدم مكة منصرفه عن خمرة: يا معشر قريش! إن محمداً نزل يثرب وأرسل طلائعه، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئاً، فاحذورا أن تمروا طريقه أو تقاربوه، فإنه كالأسد الضاري، إنه حنق عليكم لأنكم نفيتموه نفي القردان عن المناسم، والله إن له لسحرة ما رأيته قط ولا أحداً من أصحابه إلا رأيت معهم الشياطين، وإنكم قد عرفتم عداوة ابني قيلة -يعني الأوس والخزرج- فهو عدو استعان بعدو].
قوله: (خمرة) خطأ، والصواب: (حمزة) أي: حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه كما هي عند الطبراني، كما ذكر ذلك في البداية والنهاية، وكان هذا في السنة الأولى، حيث خرج حمزة في سرية قبل بدر.
وبنو قيلة هم الأوس والخزرج نسبوا إلى أمهم، وكان اسمها قيلة، وكان الأوس والخزرج أخوين، ثم صارا حيين، وحدثت بينهم حروب، وكانت الحروب بينهم لا تهدأ قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جمعهم الله بالنبي صلى الله عليه وسلم، حين بادروا إلى الإسلام.
فـ أبو جهل يقول لهم: أنتم تعرفون عداوة الخزرج لكم، وتعلمون عداوة محمد، فهو عدو نزل على عدو.
وهذا إن صح هذا الخبر.
ويثرب: اسم للمدينة، وهو اسم جاهلي، فلما هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم سماها طيبة وطابة، ولهذا أخبر الله عن المنافقين أنهم قالوا في غزوة الأحزاب: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب:١٣] والمناسم جمع منسم -بكسر فسكون- وهو طرف خف البعير، وقيل: منسم البعير ظفراه اللذان في يديه.
قوله: (إنه له لسحرة) لعله (لسحراً).
قوله: (ما رأيته قط) يعني أن تأثيره في السحر أشد من تأثير غيره.
قال: المؤلف رحمه الله: [فقال له مطعم بن عدي: يا أبا الحكم! والله ما رأيت أحداً أصدق لساناً ولا أصدق موعداً من أخيكم الذي طردتم، وإذ فعلتم الذي فعلتم فكونوا أكف الناس عنه.
قال أبو سفيان بن الحارث: كونوا أشد ما كنتم عليه؛ إن ابني قيلة إن ظفروا بكم لم يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة، وإن أطعتموني ألجأتموهم حير كنانة أو تخرجوا محمداً من بين ظهرانيهم، فيكون وحيداً مطروداً، وأما ابنا قيلة فوالله ما هما وأهل دهلك في المذلة إلا سواء، وسأكفيكم حدهم].
قوله: [دَهْلَك]: بفتح أوله وسكون ثانيه، ولام مفتوحة، وآخره كاف، وهو اسم أعجمي معرب، وهي جزيرة في بحر اليمن، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال: سأمنح جانباً مني غليظا على ما كان من قرب وبعد رجال الخزرجية أهل ذل إذا ما كان هزل بعد جد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (والذي نفسي بيده لأقتلنهم، ولأصلبنهم، ولأهدينهم، وهم كارهون؛ إني رحمة بعثني الله، ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه، لي خمسة أسماء أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب)، وقال أحمد بن صالح: أرجو أن يكون الحديث صحيحاً].
وقال: الترمذي حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
والشاهد من الحديث قوله: (إني رحمة).