للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف أهل العلم في قول الله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم)]

هذه الآية فيها قولان مشهوران، أطال فيها الحافظ ابن كثير رحمه الله، ونقلهما شارح الطحاوية: القول الأول: أن الله أخرج ذرية آدم أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم، وأنطقهم فشهدوا ثم أعادهم، ولكن كل إنسان لا يذكر ذلك إلا إذا جاءت الرسل وذكرته بذلك، والحجة إنما تقوم عليهم بالرسل، وهذا يدل عليه أحاديث كثيرة بعضها فيه ضعف، وقد سردها شارح الطحاوية، وفيها: أن الله استخرج ذرية آدم أمثال الذر، وأنطقهم وأشهدهم فشهدوا ثم أعادهم، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: (أن الله تعالى يقول للكافر يوم القيامة: لو كان لك مثل الأرض أكنت مفتدياً؟ قال: نعم.

فيقول: قد أخذت عليك في ظهر آدم أدنى من ذلك: ألا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك به شيئاً) وهذا من أقوى الأدلة، ومنها حديث رواه الإمام أحمد في مسنده: (أن الله تعالى استخرج ذرية آدم، وقال: هذه ذريتك، فرأى فيهم رجلاً له نور، فقال: من هذا؟ قال: هذا من ذريتك يقال: إنه داود، فقال: يا رب كم عمره؟ قال: ستون، قال: يا رب أعطه من عمري أربعين، فأعطاه أربعين، فلما تمت المدة جاء ملك الموت إلى آدم فقال: أما بقي من عمري أربعين، قال: إنك أعطيتها ابنك داود، فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم وجحدت ذريته).

وهناك أدلة كثيرة في هذا.

والقول الثاني: أن الإخراج معنوي، وأن المراد ما ركزه الله في عقول بني آدم من معرفتهم لربهم، وأن كل من بلغ ورأى هذه المخلوقات العظيمة وهذه الآيات استدل بها على قدرة الله ووحدانيته، وقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف:١٧٢] قال: المراد: من كل واحد عندما يخرج من بطن أمه ويبلغ.

ورجح بعض أهل العلم هذا القول، وقالوا: إن الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف:١٧٢] قال فيها: (من ظهورهم) ولم يقل من ظهره (وأشهدهم).

وعلى كل حال فالأحاديث في ذلك كثيرة، ويمكن الجمع بين ذلك بأن الله تعالى استخرج ذرية آدم أمثال الذر، وأن الله أيضاً ركز في عقول كل بني آدم معرفته والإقرار به سبحانه وتعالى، وهذه الأحاديث صريحة في هذا.

فالقول الثاني: قالوا: إنه أرجح، ولكن أصحاب القول الأول هابوا مخالفة الأحاديث لكثرتها.

وظاهر الأدلة: أن الاستخراج حسي، ولا يمنع هذا من أن كل من بلغ عرف ربه، وكل من ميز وجعل الله فيه فهماً وعقلاً فأنه يستدل بالآيات والمخلوقات العظيمة على قدرة الله ووحدانيته واستحقاقه للعبادة.