قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يخبر تعالى عن استجابته لعبده ورسوله نوح عليه السلام، حين دعا على قومه لما كذبوه:{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:١٠]، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:٢٦ - ٢٧]، ولهذا قال هاهنا:((إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ)) أي: الذين آمنوا به، كما قال:{وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ}[هود:٤٠].
وقوله:((مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)) أي: من الشدة والتكذيب والأذى، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل، فلم يؤمن به منهم إلا القليل، وكانوا يتصدون لأذاه، ويتواصون قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل على خلافه.
وقوله:((وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ)) أي: ونجيناه وخلصناه منتصراً من القوم.
((الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) أي: أهلكهم الله بعامة، ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد؛ إذ دعا عليهم نبيهم].
وذلك بعد أن أخبره الله بأنهم لا يؤمنون، وقد لبث فيهم مدة طويلة وصبر عليه الصلاة والسلام صبراً عظيماً، وكان يدعوهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً وهم لا يزدادون إلا شدة، ويرمونه بالجنون وبالسفه وبالضلال وهو صابر عليه الصلاة والسلام، ولبث هذه المدة الطويلة وهم لا يزدادون إلا شدة وأذى، حتى إن الأجداد كانوا يوصون الأحفاد بالكفر بنوح، وكل جيل كان يوصي الجيل الذي بعده بالكفر بنوح عليه الصلاة والسلام، حتى أخبره الله في النهاية بأن عدد المؤمنين لن يزداد، كما قال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود:٣٦] فلما أخبره الله بذلك دعا عليهم، وقال:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:٢٦]، فأخبره الله بأنه لن يؤمن أحد زيادة، ومع هذه المدة الطويلة كانوا قلة، ولذا فالذين آمنوا كلهم ركبوا في سفينة نوح، والباقي أهلكهم الله حيث انفجرت الأرض عيوناً وانشقت السماء بالمطر والتقى ماء الأرض وماء السماء على أمر قد قدر، فأهلك الله جميع من على وجه الأرض إلا من ركب في السفينة.
فمع هذه المدة الطويلة -ألف سنة إلا خمسين عاماً- ما آمن إلا عدد قليل ركبوا في السفينة، وفي بعض الأخبار الإسرائيلية ذكر أنه كان عددهم ستين أو سبعين أو ثمانين، ولكن كل هذا ليس عليه دليل، ولا نستطيع أن نجزم إلا بخبر عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ونوح عليه السلام دعا عليهم، ولما امتنعت دوس وأبت عن الإيمان قالوا: يا رسول الله! ادع الله عليهم، ثم قالوا: هلكت دوس، فقال:(اللهم اهد دوساً وائت بهم) فهداهم الله وجاءوا مسلمين.