للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل البسملة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في فضلها.

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله في تفسيره: حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني حدثنا سلام بن وهب الجندي].

سلام هذا بتشديد اللام، والقاعدة أن سلام كله بالتشديد إلا في موضعين فهو بتخفيف اللام: أحدها: محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري، فالأرجح فيه التخفيف، ويجوز فيه التشديد.

الثاني: عبد الله بن سلام الإسرائيلي الصحابي، فهو بالتخفيف كذلك، والباقي كله بالتشديد، والجندي بفتح الجيم والنون منسوب إلى الجند، بلدة في اليمن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبي عن طاوس عن ابن عباس: (أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١]، فقال: هو اسم من أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب)].

وهذا الحديث إما ضعيف جداً أو موضوع، لأجل سلام بن وهب الكندي، وقد رواه ابن أبي حاتم والخطيب البغدادي في تاريخه، والحاكم في المستدرك من طريق زيد بن المبارك به، وقال الذهبي في ترجمة سلام بن وهب: في الميزان أتى بخبر منكر بل كذب، ثم ساق هذا الخبر، فلعل هذا الحديث يكون موضوعاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه عن سليمان بن أحمد عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك به، وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه)].

أي: المدرسة التي يتعلم فيها أوائل التعليم كالكتابة وغيرها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فقال له المعلم: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: باسم الله، قال له عيسى: وما باسم الله؟ قال المعلم: ما أدري، قال له عيسى: الباء: بهاء الله، والسين: سناؤه، والميم: مملكته، والله: إله الآلهة، والرحمن: رحمان الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة)].

وهذا ضعيف جداً؛ ففيه عطية العوفي وهو شيعي مدلس، وفيه كذلك إسماعيل بن عياش إذا روى عن غير الشاميين فهو ضعيف، والأقرب أن هذا الحديث موضوع؛ لأنه منكر، وذلك أن عيسى أدخلته أمه إلى الكتاب وهو في الغالب ابن ست أو سبع سنين فكيف يقول مثل هذا الكلام؟ وروى هذا الحديث الطبري وابن عدي في الكامل بمثل طريق الطبري، وقال ابن عدي: هذا حديث باطل الإسناد لا يرويه غير إسماعيل.

والمعروف بضعفه في هذا الإسناد هو عطية العوفي أيضاً.

وكان الأولى بـ الحافظ ابن كثير رحمه الله ألا يأتي بمثل هذا الحديث، وكذلك حديث سلام بن وهب الجندي، لكنه لما ذكر السند خرج من العهدة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب بـ ابن زبريق].

وفي بعض النسخ: الملقب: زبريق بدون ابن، على وزن إبريق، وإبراهيم بن العلاء هو الموجود في الأصل، وهو إبراهيم بن العلاء بن الضحاك بن المهاجر بن عبد الرحمن الزبيدي الحمصي المعروف بـ ابن زبريق بكسر الباء والراء، و (ابن) ساقطة من بعض النسخ، وفي التقريب ذكر (ابن) فيحتمل أنه يلقب بهذا وبهذا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثة عن ابن مسعود، ومسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا غريب جداً، وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات، والله أعلم].

فـ ابن كثير رحمه الله حكم عليه أنه من الإسرائيليات، وهذا هو الأقرب.

وهذا السند هو نفس السند السابق، ففيه عطية العوفي وفيه إسماعيل بن عياش.

قال ابن جرير بعد هذا الحديث: وأما الخبر الذي حدثنا به إسماعيل بن الفضل قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء وساق الإسناد والحديث، ثم قال: فأخشى أن يكون غلطاً من المحدث، وأن يكون أراد (ب، س، م) على سبيل ما يعلم المبتدئ من الصبيان في الكتاب حروف أبي جاد، فغلط بذلك فوصله فقال: باسم الله؛ لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تلي {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] على ما يتلوه القارئ في كتاب الله؛ لاستحالة معناه عن المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها إذا حمل تأويله على ذلك.

وهذا الكلام صحيح فيحمل عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روى جويبر عن الضحاك نحوه من قبله].

أي: من قبل الضحاك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روى ابن مردويه من حديث يزيد بن خالد عن سليمان بن بريدة، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية].

هو في الأصل ابن أمية، وفي رواية: أبي أمية كما في التهذيب، وهو في التقريب: عبد الكريم بن أبي المخارق، بضم الميم والخاء المعجمة، أبو أمية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري وهي: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١])].

ورواه ابن أبي حاتم، وقال الحافظ ابن كثير: [هذا حديث غريب وإسناده ضعيف].

وسوف يأتي عند تفسير آية ثلاثين من سورة النمل.

وفي تفسير سورة النمل قال: وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي قال: حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط قال: حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود قلت: يا نبي الله! أي آية؟ قال: سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد، قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت: نسي، ثم التفت إلي وقال: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:٣٠])، قال: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف.

فضعف رحمه الله الحديث هنا في سورة النمل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: (لما نزل {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١]، هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه)].

وفي بعض النسخ: هرب اليم، ولعله تحريف.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١]، فيجعل الله له من كل حرف منها جُنَّة من كل واحد.

وهذا موقوف على ابن مسعود، وفيه عنعنة الأعمش وهو مدلس، وابن مسعود قد يأخذ عن بني إسرائيل وإن كان على قلة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكره ابن عطية والقرطبي، ووجهه ابن عطية ونصره بحديث: (لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاًَ يبتدرونها لقول الرجل: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)؛ من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفاً وغير ذلك].

أي أن توجيه ابن عطية كان من أجل (بضعة)، وهذا يؤيد قوله: فيجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد؛ لأن حروف {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] تسعة عشر حرفاً كعدد الزبانية، وكذلك الحديث (لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها) أي يبتدرون كلمة الرجل البالغة بضعة وثلاثين حرفاً، وهذا توجيه بعيد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عثر بالنب