[بيان معنى قوله تعالى: (أعدت للكافرين)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤] الأظهر أن الضمير في (أعدت) عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة، ويحتمل عوده إلى الحجارة، كما قال ابن مسعود، ولا منافاة بين القولين في المعنى؛ لأنهما متلازمان، و (أعدت) أي: رصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله، كما قال ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة -أو سعيد بن جبير - عن ابن عباس: (أعدت للكافرين) أي: لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.
وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن؛ لقوله تعالى: (أعدت) أي: أرصدت وهيئت، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، منها: (تحاجت الجنة والنار) ومنها: (استأذنت النار ربها فقالت: رب! أكل بعضي بعضاً.
فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف)، وحديث ابن مسعود: (سمعنا وجبة فقلنا: ما هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها وهو عند مسلم)].
كل هذه الأدلة تدل على أن النار موجودة الآن، خلافاً للمعتزلة أهل البدع القائلين بأنها معدومة الآن، فالمعتزلة يقولون: إن الجنة والنار معدومتان، ولا تخلقان إلا يوم القيامة، ويقولون: إن خلقهما الآن عبث، والعبث محال على الله.
هكذا فهموا بعقولهم السخيفة يقولون: وجود الجنة والنار عبث، والعبث محال على الله، وإنما يخلقهما الله يوم القيامة، وهذا من أبطل الباطل، فالنصوص واضحة -كما ذكر المؤلف- أنهما مخلوقتان الآن، ثم من قال: إنهما معطلتان؟! ليستا معطلتين، فالجنة فيها الحور وفيها الولدان وفيها أرواح المؤمنين وأرواح الشهداء، قال رسول الله صلى الله علي وسلم: (ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها) والنار ليست معطلة، ففيها أرواح الكفرة تعذب في النار، ويفتح للكافر باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، نعوذ بالله.
ثم إن هناك أمراً أخر، وهو إعداد الجنة وإعداد النار، فإن إعداد الجنة للمؤمنين أسبق إلى النعيم، ويكون حادياً لهم، وإعداد النار للكفار أيضاً فيه زجر لهم وردع لهم، وفرق بين ما دلت عليه النصوص من أن النار معدة للكفار، والجنة مهيئة، وبين ما إذا قيل: إنهما تخلقان يوم القيامة ولا يكون الزجر والردع والتشويق مثلما إذا كانتا معدتين الآن ومهيأتين، لكن المعتزلة من أجهل الناس، ضرب الله على عقولهم، ويضربون بالنصوص عرض الحائط، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى].
حديث الإسراء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (دخلت الجنة ليلة الإسراء) فرأى كذا وكذا، واطلع على النار ورأى فيها الزناة يعذبون، ورأى فيها المرابي يعذب، ورأى فيها جماعة من العصاة، وهذا عذاب في البرزخ، وكذلك في الكسوف مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط، وتقدم الصفوف وأراد أن يأخذ عنقوداً دلي له، وتأخر فتأخرت الصفوف، وقال: إن النار مثلت له، وكل هذا يدل على أنهما موجودتان ومخلوقتان الآن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا، ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس].