[تابع ما ورد في فضل سورة الفاتحة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حديث آخر: قال البخاري في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن معبد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غيب، فهل منكم راقٍ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية)].
(سليم) يعني: لديغ، وهذا من باب التفاؤل له بالسلامة.
(وإن نفرنا غيب) أي: ما عندنا أحد من الرجال، فهي تطلب منهم أن يعالجوه.
(فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية) أي: ما كان يعرف أنه قارئ، أو ما يعرفون أنه يحفظ شيئاً من القرآن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وما كان يدريه أنها رقية؟! اقسموا واضربوا لي بسهم)].
يعني: فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من باب تطييب خواطرهم نفوسهم؛ ليعلموا أنها حل وأنها مباح، فقد شكوا وتوقفوا، فبين لهم أن هذا لا بأس به.
وفيه أيضاً دليل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على القراءة في الرقية، وهنا أمر مهم وهو أنه لا ينبغي التوسع في هذا؛ لأن الأصل هو أن يقرأ على المريض وينفث، أو يقرأ في ماء كما جاء في سنن أبي داود، وأما ما يفعله بعض القراء من قراءته في زجاجات الصحة ويأخذ عليها أجرة كبيرة أو ما أشبه ذلك فهذا غلط، وبعضهم يقرأ في خزان وهذا توسع لا وجه له.
لكن إذا قرأ على المريض وأخذ أجرة معقولة فهذا لا بأس به إن احتاج إلى ذلك، وأما كونه يستغل حاجة الناس ويقرأ في زجاجات، أو خزان، أو يقرأ على جماعة كثيرين، أو يقرأ بمكبرات الصوت فكل هذا توسع لا أصل له.
فإن قيل: هل يشترط على القارئ ألا يأخذ أجرة على القراءة حتى يشفى المريض الذي قرأ عليه، ويستدل على ذلك بهذا الحديث؟ أقول: لا أعرف في هذا مانعاً، لكن هذا الحديث ليس فيه أنهم اشترطوا أن يشفى.
وكذلك التمائم التي تكتب في ورقة ثم يصورها من يكتبها ويبيعها، فهذا من الشرك ولو كانت من القرآن؛ لحديث: (من تعلق تميمة فلا أتم الله)، إذاً: فالصواب أن التميمة ممنوعة حتى ولو كانت من القرآن؛ لعموم النصوص.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث حدثنا هشام حدثنا محمد بن سيرين حدثني معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهذا، وهكذا رواه مسلم وأبو داود من رواية هشام، وهو ابن حسان عن ابن سيرين به، وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث: أن أبا سعيد الخدري هو الذي رقى ذلك السليم -يعني: اللديغ- يسمونه بذلك تفاؤلاً.
حديث آخر: روى مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل إذ سمع نقيضاً فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منها إلا أوتيته)، وهذا لفظ النسائي ولـ مسلم نحوه].