للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تعلم السحر]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله: فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يكفر بذلك، ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر، ومن تعلمه معتقداً جوازه أو أنه ينفعه كفر].

هذا القول الثاني ضعيف، والصواب أنه يكفر بمجرد تعلم السحر؛ لقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:١٠٢] أي: كفروا بتعليم الناس، وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢] أي: فلا تكفر بتعلم السحر، وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة:١٠٣]، فدل على أن السحر ضد الإيمان والتقوى، فإن تعلم السحر أو علمه كفر، فهذا هو الصواب إذا كان السحر يتصل صاحبه بالشياطين وعبادتها وعبادة الكواكب والتقرب إليها، وأما إذا كان سحره لا يتصل بالشياطين ولا بعبادتها، وإنما هو من باب أن يتعلم السحر ليأكل أموال الناس بالباطل؛ فهذا إذا استحل أكل أموال الناس بالباطل وإيذاءهم فقد كفر، وإن لم يستحلها فقد ارتكب محرماً وكبيرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي رحمه الله: إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك؟ فإن وصف ما يوجب الكفر -مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها- فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر] أي: إن استحل أكل أموال الناس بالباطل وإيذاءهم فقد كفر، وإن كان لا يستحل ذلك لكن غلبه الهوى وطاعة الشيطان وحب المال فيكون مرتكباً لكبيرة، وهذا التفصيل من الشافعي رحمه الله لأنه أدخل السحر اللغوي في مسمى السحر، فلذلك فصل هذا التفصيل فقال: السحر قد يكون صاحبه متصلاً بالشياطين وقد لا يتصل، فإن اتصل بالشياطين كفر، وإلا فلا يكفر.

وأما الجمهور فلم يدخلوا السحر اللغوي في مسماه، ولهذا قالوا: الساحر يكفر مطلقاً، وعلى هذا فلا يكون هناك منافاةً بين قول الشافعي وبين الجمهور، فكل من الفريقين متفق على أن الساحر إذا اتصل بالشياطين فإنه يكفر، وأما إذا لم يتصل فـ الشافعي يسميه سحراً، والجمهور لا يسمونه سحراً، فلهذا فصل الشافعي، ولم يفصل الجمهور.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا، فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك، أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم، إلا الشافعي فإنه قال: يقتل -والحالة هذه- قصاصاً].

هذه المسألة فيها اختلاف: هل يقتل الساحر أم لا يقتل؟ فقال أبو حنيفة وجماعة: يحبس حتى يموت ولا يقتل، والجمهور على أنه يقتل، ثم اختلف القائلون بقتله في صفة قتله، أي: هل قتله كفراً أو حداً؟ والأكثر على أنه يقتل كفراً، وهذا هو الصواب، وقال آخرون: يقتل حداً، والصواب أنه يقتل كفراً؛ لحديث جندب الصحيح: (حد الساحر ضربه بالسيف)، ولأن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله أن: اقتلوا كل ساحر وساحرة، ولأن حفصة رضي الله عنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت.