للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى: (فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه بمرحلة (قال) موسى: (لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) أي: الذي جاوزا فيه المكان، (نَصَبًا)، يعني: تعباً.

(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) قال قتادة: وقرأ ابن مسعود: (أن أذكركه) ولهذا قال: (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ)، أي: طريقه، (فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)].

هنا تقديم وتأخير، والتقدير: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان، أي: ما أنساني ذكر الحوت إلا الشيطان.

وقراءة ابن مسعود تحتمل: (أن أذكِّركه) وتحتمل: (أن أذكركه) بمعنى: أن أذكره لك، أي: أذكر لك خبر الحوت، فالمعنى: وكاف الخطاب يعود إلى موسى؛ لأنه هو المخاطب، والمتكلم فتاه يوشع.

وفي نسخة أخرى: [وقرأ ابن مسعود: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان].

فلعل هناك تقديماً وتأخيراً في النسخ، والقراءة المشهورة هي: (أَنْ أَذْكُرَهُ) مع أن الحافظ يذكر القراءة، ويقول: هذه قراءة شاذة، أو قراءة كذا.

قال أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله تعالى: [يقول تعالى ذكره: قال فتى موسى لموسى حين قال آتنا غداءنا لنطعم (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) هنالك: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ) يقول: وما أنساني الحوت إلا الشيطان، (أَنْ أَذْكُرَهُ) فـ (أن) في موضع نصب رداً على الحوت؛ لأن معنى الكلام: وما أنساني أن أذكر الحوت إلا الشيطان، سبق الحوت إلى الفعل].

ويمكن أن تكون الجملة: نسب الحوت إلى الفعل.

قال: [ورد عليه قوله: (أَنْ أَذْكُرَهُ) وقد ذكر أن ذلك في مصحف عبد الله: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان].

وهذا يحتاج إلى رجوع إلى كتب القراءات، فإن ابن جرير يقول: إن في نسخة عبد الله (وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان).

والظاهر أن موسى لم ير الحوت لما سقط في البحر، وإنما رآه فتاه، ويحتمل أنه رآه بعد ذلك، فالله أعلم، والذي جاء في الحديث أن الذي رآه يوشع، كما جاء ذلك في الأثر الذي ذكره المؤلف، ولو رآه موسى لما قال له: (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) فموسى عندما قال: (آتِنَا غَدَاءَنَا)، كان يريد الحوت.

قال المؤلف رحمه الله: [ولهذا قال: (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) أي: طريقه (فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) أي: هذا هو الذي نطلب (فَارْتَدَّا)، أي: رجعا (عَلَى آثَارِهِمَا)، أي: طريقهما، (قَصَصًا)، أي: يقصان أثر مشيهما ويقفوان أثرهما.