للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس)]

قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٣].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول الله تعالى: وإذا قيل للمنافقين: {آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة:١٣] أي: كإيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار، وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به وعنه، وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:١٣] يعنون -لعنهم الله- أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، قاله أبو العالية والسدي في تفسيره بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة، وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء؟!].

وهذا أيضاً من أوصافهم، وهو أنهم يسمون الإيمان سفهاً، ومن أوصافهم إظهار الإسلام وإبطان الكفر، ومن صفاتهم الخداع، وكذلك الحقد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسفهاء جمع سفيه، كما أن الحكماء جمع حكيم، والحلماء جمع حليم، والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار، ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:٥] قال عامة علماء السلف: هم النساء والصبيان.

وقد تولى الله سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة:١٣] فأكد وحصر السفاهة فيهم، {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٣] يعني: ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى والبعد عن الهدى].

هذا فيه تأكيد، كقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة:١٢]، لأن الله تعالى أكد ذلك بـ (إن) والجملة الاسمية، وهذان المؤكدان يفيدان الحصر، أي: حصر السفه فيهم، وحصر الفساد فيهم.

و (أل) في قوله: (المفسدون) و (السفهاء) مؤكدة كذلك تدل على المبالغة، وأن الفساد محصور فيهم لا يتجاوزهم إلى غيرهم، والسفه كذلك.

وهل هناك أعظم سفهاً وفساداً من شخص يظهر الإسلام ويبطن الكفر ويعمل بما يكون سبباً في هلاكه في الدنيا والآخرة، ولا يستفيد في الدنيا شيئاً، فهو في الدنيا معرض للقتل، ومعرض للخزي والعار، وفي الآخرة محقق هلاكه؟! هذا أعظم سفه، نسأل الله السلامة والعافية.

وقوله تعالى: (ولكن لا يعلمون) أي: لا يعلمون أنهم سفهاء، فالعقل كل العقل في الإيمان بالله ورسوله، وفي تخليص الإنسان نفسه من عذاب الله.