[تفسير قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة)]
قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥]].
قال المصنف رحمه الله: [يقول تعالى آمراً عبيده فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة بالاستعانة بالصبر والصلاة، كما قال مقاتل بن حيان في تفسير هذه الآية: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة.
فأما الصبر فقيل: إنه الصيام، نص عليه مجاهد، قال القرطبي وغيره: ولهذا يسمى رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث.
وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن جري بن كليب عن رجل من بني سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصوم نصف الصبر)].
وقد أخرجه الترمذي وفيه مجهول وهو قوله: عن رجل من بني سليم، وكذا ابن ماجة من طريق أخرى، وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو متفق على تضعيفه.
وقد يقال: إنه يجبر أحدهما الآخر، هذا إذا كان موسى بن عبيدة لم يشتد ضعفه، فإنه يجبر أحدهما الآخر، وموسى بن عبيدة ليس بمتهم فيجبر غيره، وأما إذا كان متهماً بالكذب فإنه لا يجبر غيره، فإذا كان أحد الطريقين يجبر الآخر فإن الحديث يكون حسناً لغيره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقيل: المراد بالصبر: الكف عن المعاصي؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها فعل الصلاة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن حمزة بن إسماعيل حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن وأحسن منه الصبر عن محارم الله.
قال: وروي عن الحسن البصري نحو قول عمر، وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينار عن سعيد بن جبير قال: الصبر اعتراف العبد لله بما أصيب فيه، واحتسابه عند الله، ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه إلا الصبر].
والمعنى: أنه يجزع بقلبه وهو يتجلد بجوارحه، فقلبه غير صابر ويرى في الظاهر أنه متجلد.
فإذا جاهد نفسه على ذلك فهذا طيب؛ لأنه يمنع جوارحه مما يغضب الله، فيحبس النفس عن التشكي، وعن الجزع وعن التسخط وعما يغضب الله.