[منهج ابن سينا وأرسطو وسائر الفلاسفة في العقائد]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الثاني فهو اسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني وكان وزيره أرسطا طاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم، وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة].
هذا كما ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان، وذكرت مصادر أخرى أنه كان قبله بألف سنة، لكن هذا وهم، والإسكندر المقدوني هذا هو الذي استوزر أرسطو، وهو من فلاسفة اليونان الذين يسمون بالفلاسفة المشائين، وهم ملاحدة، وأول من ابتدع القول بقدم العالم هو أرسطو، والقول بقدم العالم معناه إنكار أن الله خلق العالم وإنكار لوجود الله، فالملاحدة لا يقولون: إن الله خلق العالم باختياره ومشيئته وإرادته، بل يقولون: إن العالم قديم، بخلاف الفلاسفة القدامى قبل أرسطو.
وأول من وضع التعاليم الحرفية -المنطق- أرسطو الذي استوزره الإسكندر المقدوني، ثم جاء بعده أبو نصر الفارابي فأخرجه إلى الصوت حيث جعله أصواتاً وأوزاناً، فعلى هذا يكون أول من ابتدع التعاليم الصوتية أبو نصر الفارابي، وأول من ابتدع التعاليم الحرفية المنطقية أرسطو.
ثم جاء أبو علي بن سينا الذي يسمونه المعلم الثالث، وهو الذي حاول بجهده أن يقرب الفلسفة من دين الإسلام ويجمع بينهما، ورغم محاولته الشديدة إلا أنه لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم، فالجهمية الغلاة في التجهم أحسن حالاً وأرشد مذهباً من مذهب ابن سينا الذي افتتن به كثير من الناس في هذا العصر، فـ أبو علي بن سينا والفارابي وأمثالهما يسمونهم بالفلاسفة الإسلاميين، والإسلام منهم بريء، وقد سميت بأسمائهم مدارس ومستشفيات.
وكثير من الصحفيين والمذيعين يقولون: الفلاسفة الإسلاميون! وهم ملاحدة.
وابن سينا سماه ابن القيم في إغاثة اللهفان: (إمام الملحدين)، ويقول ابن سينا عن نفسه: أنا وأبي من دعاة الحاكم العبيدي والحاكم العبيدي رافضي خبيث لا يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ولا بالقدر.
ومحاولة ابن سينا التقريب بين الفلسفة والإسلام تدل على نفاقه وإلحاده.
إذاً: فالمعلم الأول أرسطو الذي لم يثبت وجوداً لله، إلا من جهة كونه مبدأً للفلك وعلة غائية لحركة الفلك فقط، حيث يقول: هذا الفلك مبدؤه هو الله وإلا فهو شيء واحد، وابن سينا أراد أن يقرب الفلسفة من الإسلام، فقال: هناك وجودان: وجود الخالق، ووجود المخلوق، لكن هذا الإثبات إنما هو في الذهن؛ لأنه لم يثبت، فهذا الخالق الذي أثبته عدم -والعياذ بالله- لم يثبت له شيئاً من الصفات، ولا من الأسماء، ولا قال: إنه خلق العالم باختياره، وإنما قال بالوجود المطلق فقط.
والوجود وجودان: وجود واجب ووجود ممكن، فالوجود الواجب هو وجود الله، والوجود الممكن هو وجود المخلوق، إلا أن الواجب ليس له اسم ولا صفة، فليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا إرادة، ولا هو فوق، ولا تحت، ولا في يمين ولا في شمال، وإنما وجوده وجود مطلق، فاشترط أن يكون وجوده وجوداً مطلقاً، والوجود المطلق هو الذي لم يقيد باسم ولا صفة، وهذا لا يكون إلا في الذهن وفي اللفظ، أما في الخارج فلم يثبت وجود لله، وقال عن الملائكة: إنهم أشباح وأشكال يتخيلها النبي، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام قال: إنما هي عبارة عن أمور عقلية معنوية، فالملائكة عبارة عن أمور عقلية تدعو إلى الخير والإحسان والكرم، والشياطين: هي الأشباح الرديئة التي تدعو إلى الظلم والعدوان.
أما الكتب المنزلة فقال عنها: إنها فيض، يعني أنها معان تفيض على هذا الرجل العبقري.
وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه رجل عبقري فيه خصائص من استكملها فهو نبي، مثل قوة الإدراك، حتى ينال من العلم أكثر من غيره، وقوة التخيل حتى يتخيل الملائكة، وقوة التأكيد، فهذه خصائص من استكملها فهو نبي.
وقال: إن النبوة ليست منحة ولا هبة ربانية، بل هي صنعة من الصناعات وسياسة من السياسات، فكل إنسان يستطيع أن يحصل عليها بالمران والخبرة، فهذا إيمانهم بالنبوة.
وأما إيمانهم بالبعث والنشور والحساب والجنة والنار فيقولون: هذه أمور خيالية لا حقيقة لها؛ لأنها من كذب هذا النبي، فالنبي يكذب على الناس حتى يستصلح أحوالهم، فهو يكذب لهم، ولا يكذب عليهم، فهو يخبرهم بأن هناك بعثاً وجزاء ونشوراً وجنة وناراً حتى يعيش الناس بسلام، وحتى لا يبغي أحد على أحد، أي: ليس هناك جنة ولا نار ولا بعث، والعياذ بالله، وهذا هو مذهب ابن سينا في محاولته الشديدة للتقريب بين الإسلام والفلسفة.
لذلك ينبغي على المسلم -لاسيما طالب العلم- ألا يغتر بهذه التخرصات؛ لأن هؤلاء الصحفيين والمذيعين ليس عندهم علم ولا بصيرة بحال هؤلاء الفلاسفة.