[تفسير قوله تعالى: (فلما أتاها نودي يا موسى)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا} [طه:١١] أي النار، واقترب منها {نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:١١] وفي الآية الأخرى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ} [القصص:٣٠] وقال هاهنا: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:١٢] أي الذي يكلمك ويخاطبك.
{فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه:١٢] قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي].
وهذا في شرع من قبلنا، إذ معروف أن الحمر الأهلية ما حرمت إلا في السنة السابعة من الهجرة، وذلك أن الصحابة في غزوة خيبر- ذبحوا الحمر وطبخوها، وكانت حلالاً قبل ذلك ثم حرمت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية) وأكفئت القدور وإنها لتغلي بها، وكان هذا في أول الإسلام، وكانت حلالاً مباحة، وهي في شرع من قبلنا في زمن موسى مباح؛ لكنها هنا جلد من حمار غير مذكى، إذ لو ذكي صار طاهراً؛ لأن الحمار كان حلالاً ولم يكن حراماً، فإذا دبغ جلده وجعلت منه النعلان صارت مباحة، فلما مات صار ميتة، فإذا أخذ جلده وجعل منه حذاء صارت الحذاء من جلد غير مذكى، فهو إذاً نجس، ولو ذكي لكان طاهراً؛ لأنه كان حلالاً في ذلك الوقت، وهذا على ما قاله الصحابة إن صح عنهم.
وقد جاء في بعض الروايات أنه يوم أن كلم الله موسى كانت عليه جبة صوف، وكساء صوف، وسراويل صوف، ونعلان من جلد حمار غير مذكى.
قال ابن جرير الطبري: حدثنا به بشر بن خلف قال: حدثنا خلف بن خليفة عن حميد بن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوم كلم الله موسى كانت عليه جبة صوف وكساء صوف وسراويل صوف، ونعلان من جلد حمار غير مذكى).
قال عفا الله عنه: صحيحاً لم نعده إلى غيره، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه.
قال المصنف رحمه الله: [وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيماً للبقعة].
وهذا هو الأقرب، إذا لم يصح الحديث السابق الذي ذكره ابن جرير الطبري، ويدل على هذا قوله تعالى في الآية الأخرى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:١٢] والواد المقدس مطهر، و (طوى) اسم الوادي.
ومما يؤيد ضعف الحديث السابق أنه تكلم في أحد رجاله وهو: خلف بن خليفة.
واسمه: خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي مولاهم أبو أحمد الكوفي نزل واسط ثم بغداد، صدوق اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد، وهو من الثامنة.
إذاً: فيكون ضعيف مختلط، وبقية إسناده لا يصح.
والأصل هو ما دلت عليه الآيتان، ولأن الحكمة من خلع النعلين تعظيم البقعة.
قال ابن جرير: وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي إذ كان وادياً مقدساً.
قال المصنف رحمه الله: [قال سعيد بن جبير: كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة، وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل، وقيل: غير ذلك والله أعلم].
والقول الثاني يرجع إلى القول الثالث.