[ذكر الخلاف في كون البسملة آية مستقلة وكونها آية من كل سورة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] افتتح بها الصحابة كتاب الله، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل، ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة، أو من كل سورة كتبت في أولها، أو أنها بعض آية من كل سورة، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنها إنما كتبت للفصل لا أنها آية، على أقوال للعلماء سلفاً وخلفاً، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع].
فالأرجح في {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] أنها آية مستقلة في أول كل سورة، فليست من الفاتحة ولا من غيرها، هذا هو الأقرب, وهي بعض آية من سورة النمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:٣٠]، فهي بعض آية من سورة النمل، وهي آية مستقلة في أول كل سورة, وليست من الفاتحة ولا من غيرها, وقال بعض العلماء: إنها آية من الفاتحة، وهو الموجود الآن في المصاحف فهي الآية الأولى، فتجدون {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] هي الآية الأولى رقم واحد، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] رقم اثنين، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] رقم ثلاثة، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] رقم أربعة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] رقم خمسة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] رقم ستة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] رقم سبعة، هذا هو الموجود في المصاحف, والصواب: خلاف هذا، فالآية الأولى هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، والثانية: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣]، والثالثة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] والرابعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]، والخامسة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، والسادسة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧]، والسابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧]، فهذه سبع آيات بدون البسملة, و {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها.
وقراءتها سنة مستحبة، والاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والبسملة سنة في أول القراءة في أول السورة، وفي أول ركعة من ركعات الصلاة، ولو تركها صحت الصلاة، وأما على القول بأنها آية فلو تركها لم تصح الصلاة، والدليل على أن أول آية من الفاتحة هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] قول الرب عز وجل في الحديث القدسي: (قال الله: إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] قال الله: حمدني عبدي) وفي أول الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) والمراد بالصلاة هنا الفاتحة، فهي من أسماء الفاتحة.
قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] قال الله: حمدني عبدي)، فدل هذا على أن الآية الأولى هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولو كانت البسملة هي الآية الأولى لقال الرب سبحانه: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم, ولكن قال: فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال الله: (حمدني عبدي) فدل على أن الآية الأولى هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضاً، وروي مرسلاً عن سعيد بن جبير.
وفي صحيح ابن خزيمة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية) لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف، عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عنها].
بل عمر بن هارون البلخي متهم بالكذب وكان حافظاً من كبار التاسعة، مات سنة أربع وتسعين، وعلى هذا فيكون الحديث ضعيفاً جداً، لا ينجبر بالشواهد والمتابعات.
وقد قال عنه أبو داود: غير ثقة، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المناكير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى له الدارقطني متابعاً عن أبي هريرة مرفوعاً، وروي مثله عن علي وابن عباس وغيرهما.
وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة: ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي، ومن التابعين: عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله تعالى، وقال مالك، وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقال الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة وليست من غيرها، وعنه: أنها بعض آية من أول كل سورة، وهما غريبان].
والأقرب هو القول الأول: أنها ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها، ولكنها آية مستقلة إما للفصل بين السور، أو آية من كل سورة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال داود هي: آية مستقلة في أول كل سورة لا منها، وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله، هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا].