[عموم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فعندها قال الخضر لموسى: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) أي: إنك لا تقدر على مصاحبتي؛ لما ترى مني من الأفعال التي تخالف شريعتك؛ لأني على علم من علم الله ما علمكه الله، وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله].
وهذا دليل على أن الخضر له شريعة غير شريعة موسى، وأن الخضر ليس مأموراً باتباع موسى؛ لأن له شريعة مستقلة، وموسى لم يرسل إلى أهل الأرض كافة، وإنما أرسل إلى بني إسرائيل، وإنما الشريعة العامة شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهي شريعة للثقلين: الجن والإنس، أما شريعة موسى فهي خاصة ببني إسرائيل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه، وأنت لا تقدر على صحبتي، (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) وأنا أعرف أنك ستنكر علي ما أنت معذور فيه، ولكن ما اطلعت على حكمته ومصلحته الباطنة التي اطلعت أنا عليها دونك، قال له موسى: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا) أي: على ما أرى من أمورك، (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا).
أي: ولا أخالفك في شيء، فعند ذلك شارطه الخضر عليه السلام، (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) أي: ابتداءً (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) أي: حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني].
قوله: [شارطه] يعني: اشترط عليه شرطاً، فقال: (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي)، و (إن) حرف شرط {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:٧٠] أي: إذا كنت عازماً على أن تتبعني، فإني أشترط عليك شرطاً فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك من أمره خبراً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير: حدثنا حميد بن جبير حدثنا يعقوب عن هارون عن عبيدة، عن أبيه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه عز وجل فقال: أي رب! أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال أي رب! أي عبادك أعلم؟ قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى، أو ترده عن ردى، قال: أي رب! فهل في أرضك أحد أعلم مني؟ قال: نعم، قال: فمن هو؟ قال: الخضر، قال: وأين أطلبه؟ قال على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت، قال: فخرج موسى يطلبه، حتى كان ما ذكر الله، وانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منهما على صاحبه، فقال له موسى: إني أحب أن أصحبك، قال: إنك لن تطيق صحبتي، قال: بلى، قال: فإن صحبتني (فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) قال: فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحور، وليس في الأرض مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث الله الخطاف، فجعل يستقي منه بمنقاره، فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء؟].
يعني: نقص، وفي الأحاديث الأخرى أنه عصفور [قال: ما أقل ما رزأ، قال: يا موسى! فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء].
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: هذا أوسع ما سمعناه في علم الله.
يعني: علم موسى وعلم الخضر وعلم السلف كلهم في جنب علم الله كنسبة ما يأخذه هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر المتلاطم الذي هو أربعة أخماس العالم، فإذا أخذ العصفور بمنقاره فكم سيأخذ؟! وهكذا نسبة علم الخلائق إلى علم الله، ولهذا خلق الله سبحانه وتعالى الخلق لعبادته وتوحيده، ولأجل أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، وليعلموا أنه على كل شيء قدير، وأنه قد أحاط بكل شيء علماً، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢].
قال رحمه الله تعالى: [وكان موسى قد حدث نفسه أن ليس أحد أعلم منه أو تكلم به، فمن ثم أمر أن يأتي الخضر، وذكر تمام الحديث في خرق السفينة، وقتل الغلام، وإصلاح الجدار، وتفسيره له لذلك].