[تفسير قوله تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء:٩٦] قد قدمنا أنهم من سلالة آدم عليه السلام بل هم من نسل نوح أيضاً من أولاد يافث أبي الترك، والترك شرذمة منهم تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين].
هذا هو الصواب، أن يأجوج ومأجوج من بني آدم، فهما أمتان: أمة يقال لها يأجوج، والأمة الثانية يقال لها مأجوج، من الأجيج واللغط وكثرة الأخطاء، أمتان كافرتان وهما من أولاد يافث بن نوح، وأما ما جاء في الآثار أن آدم احتلم فاختلط منيه بالتراب فخلق الله منه يأجوج ومأجوج هذا لا يصح.
فذو القرنين بنى السد بينهم وبين الناس، فمن كان خارج السد سموا الترك؛ لأنهم تركوا خارج السد، وذلك لأن ذا القرنين طاف المشارق والمغارب -وهو ملك عادل صالح- ولما مر بهم طلبوا منه أن يبني سداً بينهم وبين يأجوج ومأجوج؛ لأنهم أفسدوا في الأرض، قال تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف:٩٤] فبنى السد وترك أناساً سموا الترك؛ لأنهم تركوا خارج السد، وسيخرجون في آخر الزمان، وخروجهم يكون من أشراط الساعة الكبار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:٩٨ - ٩٩] الآية، وقال في هذه الآية الكريمة: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٦] أي: يسرعون في المشي إلى الفساد، والحدب: هو المرتفع من الأرض، قاله ابن عباس وعكرمة وأبو صالح والثوري وغيرهم، وهذه صفتهم في حال خروجهم].
يخرجون من كل حدب أي: من كل مرتفع، ينسلون: يسرعون من أجل الفساد، فهم طبعوا على الفساد والعياذ بالله، ولهذا لما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى ينادي يوم القيامة يقول: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك فيقول: أخرج بعث النار، فيقول: يا رب من كم؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فشق ذلك على الصحابة، فقال: أبشروا فإن منكم واحد ومن يأجوج ومأجوج ألف).
فهماً أمتان كافرتان عددهم كثير، إذا خرجوا فهذا وصفهم: من كل حدب ينسلون أي: من كل مرتفع يسرعون بالمشي لأجل الفساد، ولهذا يتحصن منهم عيسى عليه الصلاة والسلام -لأنهم سيخرجون في زمن عيسى بعدما ينزل- فيوحي الله إليه: أن حرز عبادي إلى الطور، فيتحصنون بجبل الطور، ثم يدعون عليهم فيهلكهم الله في ليلة واحدة؛ فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ويكونون كالتلال بعضهم فوق بعض، ثم يأمر الله طيراً فتأتي تأخذهم وتلقيهم في البحر، ثم ينزل الله مطراً ليغسل الأرض، وهذا من حكمة الله؛ لأنهم لو بقوا لأنتنت الأرض وهلك الناس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذه صفة في حال خروجهم كأن السامع مشاهد لذلك: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤]، هذا إخبار عالم ما كان وما يكون، الذي يعلم غيب السموات والأرض لا إله إلا هو.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن مثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبيد الله بن يزيد قال: رأى ابن عباس صبياناً ينزو بعضهم على بعض يلعبون، فقال ابن عباس: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج، وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية.
فالحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله عز وجل: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٦]، فيغشون الناس، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض حتى إن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابساً، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ههنا ماء مرة، حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقي أهل السماء قال: ثم يهز أحدهم حربته، ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل دوداً في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون: ألا رجل يشري نفسه فينظر ما فعل هذا العدو؟ قال: فيتجرد رجل منهم محتسباً نفسه قد أوطنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادي: يا معشر المسلمين! ألا أبشروا إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم؛ فيخرجون من مدائنهم وحصونهم يسرحون مواشيهم فما يكون لهم رعي إلا لحومهم فتشكر عنهم كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط) رواه ابن ماجة من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق به].
الحديث صححه الألباني، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، بعضه في مسلم، وقال البكيري: في زوائد هذا إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وبعضه له شواهد عند مسلم فكونهم يشربون الماء ثم يقولون لقد كان ههنا ماء، هذا جاء في مسلم، أيضاً كونهم يرسلون حربتهم فترجع مخضبة بالدماء هذا في مسلم، وكذلك قوله: فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، وأما كونه ترعى المواشي لحومهم هذا فيه نظر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الحديث الثاني: قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما روحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا فسألناه فقلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب جعد قطط عينه طافية، وإنه يخرج خلة بين الشام والعراق)].
هنا ذكر عينه طافية، وفي اللفظ الآخر: عينه اليمنى طافية، وفي اللفظ الآخر: (مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن)، وفي لفظ: (ك ف ر يقرؤه كل مؤمن)، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه إلى عباده أن جعل لهم علامة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال بياناً شافياً حتى يحذره المؤمنون، وهو خارج من الخلة يعني: وسط بين الشام والعراق من جهة الشرق، كذلك فتن كثيرة تأتي من جهة الشرق فالجهمية والمبتدعة، والدجال كلهم يخرجون من جهة الشرق بين الشام والعراق.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(وإنه يخرج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وشمالاً يا عباد الله! اثبتوا، قلنا: يا رسول الله! ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، يوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله! فذاك اليوم الذي هو كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله! فما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح قال: فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذرى وأمده خواصر، وأسبغه ضروعاً، ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله؛ فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء)].
وهذا من الابتلاء والامتحان، وقد سمي الدجال؛ لأن فيه صفة مبالغة من الدجل والكذب، وهو الدجال الأخرص، يدعي أولاً الصلاح، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية والعياذ بالله! وأعطاه الله هذه الخوارق العظيمة، بأن يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويأتي إلى القوم فيدعوهم؛ فمن استجاب له كثر ماله وسرحتهم من الإبل والغنم ترجع وقد امتلأت ضروعها باللبن، ويأتي القوم فيردون عليه دعوته فيصبحون ممحلين ابتلاءً وامتحاناً، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك؛ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، قال: ويأمر برجل فيقتل فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض)].
وهذا كله من الابتلاء والامتحان، حيث إنه يأمر بالخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويقطع الرجل نصفين ويمشي بين القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائماً ولا يسلط إلا عليه، فيقول له: هل عرفت الآن؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة كما جاء في الحديث الآخر، قال النبي: (فذلك أعظم الناس ثابتاً عند رب العالمين)، يسلط على هذا الإنسان ولا يسلط على غيره، وهذا ابتلاء وامتحان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(ثم يدعوه فيقبل إليه يتهلل وجهه فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً يديه على أجنحة ملكين فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لد الشرقي)].
هذا في الشام وكان اسمه: باب لد فيدركه فيقتله، فمسيح الهدى يقتل مسيح الضلالة، إذا خرج الد