للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[امتناع بني إسرائيل من دخول الأرض المقدسة، وعقاب الله لهم بالتيه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمها، فقالوا: يا موسى، إن فيها قوماً جبارين لا طاقة لنا بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها، {فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:٢٢] {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} [المائدة:٢٣] قيل لـ يزيد هكذا قرأت؟ قال: نعم من الجبارين آمنا بموسى، وخرجا إليه قالوا: نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم، وعددهم فإنهم لا قلوب لهم، ولا منعة عندهم، فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون].

الآية قرأت: (أن فيها قوماً من الجبارين)، وقراءة حفص: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة:٢٢].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويقول أناس: إنهم من قوم موسى فقال الذين يخافون بنو إسرائيل: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤]، فأغضبوا موسى فدعا عليهم وسماهم فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ فاستجاب الله له وسماهم كما سماهم موسى فاسقين، وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض].

هذا هو التحريم القدري.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار].

غضب الله عليهم وعاقبهم لما امتنعوا من دخول الأرض المقدسة، وحرمها عليهم أربعين سنة حتى مات هذا الجيل، ومات موسى في الصحراء بين مصر وبين فلسطين في التيه، عاقبهم الله بالتيه فصاروا لا يهتدون إلى البلد، فيدورون ويرجعون مكانهم حتى هلكوا، ومات موسى معهم في التيه، ونشأ جيل جديد؛ لأن هذا الجيل تربى على الذعر والخوف من فرعون، وجاء جيل جديد، وجاء فتاه يوشع بن نون -فتى موسى- الذي أصبح نبي بعد ذلك، وفتح بيت المقدس بأحفادهم وأبنائهم من الجيل الجديد.

أما الجيل الأول فإنهم رفضوا امتنعوا، وقالوا: لا يمكن أن ندخل الأرض المقدسة، حتى قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة:٢٤]، فقال موسى: إن الله وعدني لئن أنتم سبقتم ودخلتم عليهم فإنكم غالبون، لكن رفضوا فحرمها الله عليهم، وعاقبهم بالتيه أربعين سنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجراً مربعاً، وأمر موسى فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها].

حتى لا يحصل نزاع بينهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلا يرتحلون من مكان إلا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس.

رفع ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس رضي الله عنه عنهما يحدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل، فقال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك؟ فغضب ابن عباس رضي الله عنهما فأخذ بيد معاوية وانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري فقال له: يا أبا إسحاق هل تذكر يوم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال: إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد على ذلك وحضره.

وهكذا رواه النسائي رحمه الله في السنن الكبرى، وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، كلهم من حديث يزيد بن هارون به، وهو موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره والله أعلم، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضاً].

وهذا الحديث حديث طويل عظيم، وفي رفعه نظر، وهو موقوف على ابن عباس وقد أخذ أكثره من بني إسرائيل، وبعضه مرفوع، وهذا الحديث يسمى حديث الفتون.