بيان معنى قوله تعالى:(ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة:٤١] يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها؛ فإنها قليلة فانية، كما قال عبد الله بن المبارك: أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن هارون بن يزيد قال: سئل الحسن يعني البصري عن قوله تعالى: (ثمنا قليلاً) قال: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها].
قوله:{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي}[البقرة:٤١] يعني: تعتاضوا، والمراد بالشراء الاعتياض، يعني: تأخذون هذا بدلاً من هذا، كما أن المشتري يأخذ السلعة ويعطي الثمن، فهؤلاء يأخذون الدنيا ويعطون دينهم، فيبيعون الدين بالدنيا، وسماها ثمناً قليلاً؛ لأن الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؛ ولهذا في الحديث:(لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)، فالدنيا كلها ثمن قليل مهما أعطي الشخص من المناصب والرئاسات والأموال فهي كلها ثمن قليل، والمعنى لا تعتاضوا عن الإيمان بالله ورسوله وطلب ما عند الله في الدار الآخرة من الثواب في الدنيا مهما أعطيتم من الدنيا، فمهما حصل لكم من الدنيا فكلها ثمن قليل وشيء قليل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن لهيعة: حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة:٤١] إن آياته كتابه الذي أنزله إليهم، وإن الثمن القليل الدنيا وشهواتها.
وقال السدي:{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة:٤١] يقول: لا تأخذوا طمعاً قليلاً، ولا تكتموا اسم الله، فذلك الطمع هو الثمن، وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى:{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة:٤١] يقول: لا تأخذوا عليه أجراً، قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم! علِّم مجاناً كما علمت مجاناً، وقيل معناه: لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللبس؛ لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب.
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة)].
الحديث المعروف:(لم يرح عرف الجنة) وكأن المؤلف رواه بالمعنى، فعرف الجنة هو ريحها.
وهذا يشكل على بعض الإخوة الذي يدرسون في الجامعات في تخصص شرعي، بقصد الدنيا فقط، فإن في هذا الحديث وعيد شديد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح عرف الجنة) فهذا وعيد شديد يدل على أن هذا من الكبائر؛ وذلك لأنه قصد بتعلمه للعلم الذي هو من أجل الطاعات وأفضل القربات الدنيا، والله تعالى يقول في كتابه:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:١٥ - ١٦]، وأيضاً هذه الآية كذلك شاملة لمن تعلم العلم في هذه الدنيا، فالواجب على طالب العلم أن يخلص عمله لله، وأن يجاهد نفسه حتى تكون نيته لله، وإنما يكون ما يأتيه من المال أو من المكافأت وسيلة تعينه على طلب العلم وعلى تعلم العلم والتعليم، ولا يكون قصده الدنيا فقط، وأما إذا لم يكن تعلمه إلا لأجل الدنيا فهو من أهل الوعيد، كأن يكون ما تعلم إلا لأجل وظيفة، أو لأجل المال الذي يحصل له، أو لأجل الشهادة، فهذا عليه الوعيد الشديد، لكن الإنسان يجاهد نفسه حتى تصلح نيته، وإن كانت النية من أصعب الأمور كما قال بعض السلف، والله تعالى يقول:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:٦٩]، وقال:{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}[العنكبوت:٦]، قال بعض السلف: تعلمنا لأجل الدنيا فأبى العلم إلا أن يكون لله، فالإنسان يتوب مما سلف، ويجاهد نفسه حتى تصلح نيته وتستقيم، ويضرع إلى الله عز وجل أن يوفقه للإخلاص والصدق.